في رمضان؛ البعض يتعامل مع جوع رمضان وعطشه كخصمٍ عنيدٍ لابد أن يقهره في الهزيع الأخير من النهار, والبعض الآخر يتعامل مع رمضان وكأنه أول وآخر الصائمين بالغضب والصراع والتشنج ومخاصمة الآخرين والتعبير بسلوكيات وتصرفات تجعل من الصيام لا يخرج عن كونه جوع وعطش وألفاظ سيئة وتصرفات أقبح. كل ذلك من أجل أنه صائم وكم من الوقت صائم؟ لنصف نهار فقط وليس للدهر كله. أي 12 ساعة فقط.
نحن نصوم عن الأكل والشرب في اليوم الواحد 12 ساعة فقط ونستعد لجوعنا وعطشنا بكامل العتاد والعدة وكأننا مع الجوع في حرب لابد التمترس لها لمواجهة هذا الجوع الكافر حين يحين الغروب.
ما أشد أنانيتنا ونحن تسكننا المفارقات العجيبة , لا نحتمل جوع نصف نهار بينما بيننا أناس كُثر وأسرٌ أكثر صار جوعهم رفيق دربهم وعدوا أوحد يشاركهم نبض الوريد ليس لنصف نهار وحسب بل مدى العمر. ونحن نواجه جوعنا المؤقت بدفاعات عنيفة لا يشق لها غبار وهم يواجهونه بالصبر والتأسي.
أين نحن من كل هذا ؟أين نحن من هؤلاء العظماء الذي كشفوا لنا أنانيتنا؟ أم هي الغفلة والانشغال بهوى النفس الذي أعمى بصائرنا عن رؤية من يستحقون منا لفتة إنسانية في شهر الرحمة هذا , وما أكثرهم من حولنا , المهم أن نستشعر من جوعنا النصف نهاري مرارة صراعهم الأبدي معه وأنينهم منه دونما وجود لمن يمد لهم يد العون إلا من رحم ربي.
وحدهُ رمضان من يفضحنا على حقيقتنا ويكشف لنا كم نحن أنانيون جدا ونخاف على بطوننا إن قرصنا الجوع قليلا, ويكشف لنا كم نحن نحب ذواتنا البلهاء ونخشى على أنفسنا إن أصابنا قليل من عطش . فعلا منتهى الأنانية حين نجوع نصف نهار وننتظر بلهفة وجبة نعوّض بها صراخ البطون ونتجاهل من يجوعون دهرا وهم على يقين أنهم ليسوا على موعد مع فتات وجبة تقيهم حرب أمعائهم الشرسة. منتهى الأنانية حقا, أننا من أجل جوع مؤقت نستجمع كل إمكانياتنا لنقتله, ونتجاهل وجود من لا يجدون كسرة خبز ليس لنصف نهار وحسب بل لكل فصول حياتهم الشاحبة , يعتصرهم الجوع عصرا ولا يجدون لقتله سبيلا إلا الصبر على المزيد منه .
فمتى سنراجع ذواتنا ونقرركم محتاج سنسساعده وكم فقيرا سنعطيه وكم جائعا سنطعمه وكم ظمئاً سنرويه وألا تشغلنا بطوننا عن فعل أي خير من شأنه أن يزيد من رصيد حسناتنا عند أرحم الراحمين كي نرضى عن أنفسنا وليس لكي ترضى عنا بطوننا الحمقاء. فرمضان قبل أن يكون جوع وعطش هو صبر وتحلي بالأخلاق وتوق للرحمة والمغفرة واستشعار حاجة البؤساء وأنين المحتاجين. الصيام سلوكيات وتصرفات ونبذ للأنانية وحب الذات.
سمية الفقيه
في رمضان كم نحن أنانيين!! 1452