"وَالناسُ صِنفانِ مَوتى في حَياتِهُمُ ** وَآخَرونَ بِبَطنِ الأَرضِ أَحياءُ"
هكذا قال أمير الشعراء أحمد شوقي فكم من الناس كالموتى وهم أحياء وقد يموتون وينتهي ذكرهم وينقطع أثرهم تماما بعد موتهم ، وبعض الناس يظلون أحياء في حياتهم بأعمالهم الانسانية وفي مماتهم كذلك ، ولعل الداعية محمد الأهدل- رحمه الله تعالى- من هؤلاء فلقد كان يلهب منابر المساجد بخطبه المؤثرة ويسعى في حاجات الناس ويتحسس أحوال الفقراء والمستضعفين ويكفل الأيتام والأرامل.
ففي يوم جمعة وقبل شهر رمضان المبارك بيوم واحد فارق دنيانا الفانية الداعية محمد علي عبد الواحد الأهدل هو وزوجته في حادث مروري في العند لحج أثناء سفره إلى قريته في تعز قادماً من عتق شبوة حيث كان يعمل هناك منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.
مات الأهدل ولم يمت حبه في قلوب محبيه ولم يمت ذكره الطيب في ألسنتهم .مازالت تبكيه منابر المساجد ومحاريبها ، مازال تلاميذه يذرفون دموعهم عليه وكأنهم في حالة انتظار له يسمعهم مما فتح الله عليه من العلم ، مات ومازال هناك مجاميع من الأيتام والأرامل والفقراء ينتظرون الشيخ الأهدل أن يساعدهم على مشاق الحياة المختلفة.. هناك في عتق شبوة كان الوالد قائد مؤذن مسجد أبي بكر الصديق الذي كان يخطب فيه الأهدل يغالب دمعته وأنا أسأله عن الشيخ الأهدل قال لي والعبرة تخنقه من الناس لا يعرف الشيخ الأهدل!, بينما إمام المسجد الشاب محمد القاضي وقد بدا حزينا على أستاذه كان يريد أن يقول المزيد عنه ولكن لم يستطع لهول صدمته بفراقه، حدثني أحدهم عن رؤية حكاها الشيخ الأهدل قبل مؤته بأيام لأحد أصدقائه وكان مسروراً بها و يؤكد أن سيفارق الحياة إلى جنة ربه لقد رأى أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي عنهما يأخذان بيده ويقولان له هذا قصرك في الجنة فادخل ففيه زوجتك.. فقال الشيخ الأهدل مستغرباً أنا لم أخطب ولم أتزوج غير زوجتي هذه ولكنه دخل القصر فوجد حورية من حوريات الجنة تجلس على كرسي وقد زُينت بأجمل ثياب الزينة فنظر إليها فوجدها كفلقة القمر إنها زوجته الحالية ، نعم لقد سبقته إلى الجنة ، ولقد توفيت في الحادثة قبله رحمها الله تعالى .
مات الشيخ محمد الأهدل ولم يمت ذكره وما نفع الله به من علمه ولم تمت أعماله الانسانية الرائدة في شبوة وغيرها فقد كان بحق قمرا يسطع في سماء الدعوة وأعمال الخير، رحمه الله وغفر له ورحم زوجته وشفى الله المصابين في الحادث.
قافية رثاء:
القلبُ أِظْلَمَ مِنْ رزء ومِـنْ حـَزَنٍ
والدَّمْعُ أسْبَلَ مِثْلَ العَـارِضِ الهَتِنِ
فَقْدُ الرِّجَالِ كفَقْدِ المَاءِ فِي ظَمَــأٍ
أو فُرْقَـةِ الرُّوحِ عِنْدَ المَوْتِ للبَدَنِ
يَا هَامِرَ الغَيْثِ كَمْ أحْيَيْتَ مِنْ مُـهَجٍ
وكمْ سَـقَيْتَ لُبَابَ الفِكْـرِ ذَا فِطَـنِ
يا منْ سَمَوْتَ عَنِ الدُّنيَا وَزُخُـرُفِهَا
والحُرُّ يَسْمُو عَنِ الأوْشَـابِ والعَفَنِ
مَضَـى الفَقِيدُ وفِي أكْفَـانِهِ دُرِجَتْ
مَعَـالـِمٌ في دُرُوبِ الخَـيْرِ لمْ تَبِنِ
يا مَنْ سـكنْتَ بقلبِي غَيْرَ مُرْتَحِـلٍ
طولَ الحياةِ ولمْ تُعْرِضْ عَنِ السَّكَنِ
وجْدِي عليكَ صديقي مَالَهُ سَـكَنٌ
قدْ كادَ حُـزْنِي عليكَ اليومَ يقتلنِـي
فارقتَ أرضاً وما فارقـتَ أفئـدةً
تحيَا بحبِّكَ فِي الإسْـرَارِ والعَلَـنِ
يا ربِّ فاجعلْ لهُ الفردوسَ منزلـةً
نِعْمَ المُقَامُ وَمَا أَحْـلاهُ مِنْ سَـكَنِ
غالب السميعي
الداعية الإنسان!! 1162