إنها نظرية غرضية يجسدها اليوم الواقع الإسلامي عموما والواقع اليمني المؤلم خصوصا. وهي نظرية فلسفية طائفية بحتة ناقشها بإسهاب الفيلسوف العربي الراحل ابن رشد ولخصها بعبارة صغيرة مضمونها ( إذا أردت أن تتحكم بعقل جاهل فغلف كل باطل بالدين).
وتجسيدا لتلك النظرية يمكن أن نتطرق لقصة حول هذا الموضوع، فقد قيل أن ملكاً عاقاً لربه كان يخشى أن تصيبه دعوة المتعبدين من قومه، رغم أن هذا العابد غير متعلم ومدرك بتفاصيل الدين لكنه خاشع لله. ففكر الملك كيف يمسخ الرجل التقي العابد عن العبادة، فأشار عليه وزراؤه بأن يغريه بغانية أو بجاه أو مال لكن ذلك لم يفلح في إغواءه, فتشاور الملك مع زبانيته ووزراءه إلى أن توصل أحد زبانية الملك إلى فكرة الاستغلال بعبادة ذاك الرجل، فذهب سمسار الملك إلى الجامع وظل يصلي ويدعو ويبكي ويسبح مدّعياً الإيمان الخالص, فسأله الرجل العابد: كيف توصلت إلى هذه المرحلة من الخشوع بسرعة وأنا منذ زمن أعبد الله وما توصلت لهذا الدرجة من الخشوع؟
فأجابه: إني ارتكبت ذنباً كبيراً فكلما ذكرته خشعت أكثر ليغفر لي الله. إني زنيت بالباغية فلانة
"وكانت مشهورة ببغيها "، فقال الرجل العابد له: أترى لو ارتكبت ذاك الذنب سأخشع مثلك؟!. فأجابه: نعم وربما تخشع أكثر لأنك من البداية خاشعا أصلا، فذهب الرجل العابد للزانية ليفعل بها, فظنت أنه يريد أن يعضها فتفاجأت من طلبه، ثم شرح لها القصة، فقالت له: إن ذاك
الرجل ليس بخاشع وإنما هو مرسل من الملك ليغريك، ثم تابت عن بغيها.
والعبرة في هذه القصة ما نجده اليوم من خطاب ديني يشيع من على المنابر والقنوات الفضائية ووسائل الاتصال الاجتماعي هو ذات الخطاب الذي يحاول جاهدا تضليل صاحبنا الإنسان البسيط الجاهل، إنه خطاب تجييش وليس خطاب وعظ... فلا نجد إلا محاولات حثيثة لصناعة العابد الجاهل، علماً أن المأثور الديني يصرح بان تفكر ساعة خير من عبادة سنة، بل وصل الأمر ليسعى الخطاب الديني الممسوخ هذا ليشوه ويفرغ رسالة الإسلام من مضمونها لتتحول؛ إما إلى طقوس تستغرق في التضليل وتمنع أي ذكر للهدف الإصلاحي وربطها في الواقع المعاش أو إلى تبرير لقتل النفس التي حرم الله وسفك الدماء وتدمير البيوت، بل واكثر من ذلك نجد الأحزاب الإسلامية والشخصيات السياسية الإسلامية المتطرفة وهي غارقة في الإجرام والدماء قبل الفساد تخرج علينا وبكل وقاحة وصلافة لتتحدث عن الجهاد ضد إخوتنا المسلمين واليمنيين من بني جلدتنا وتدعي بذلك أنها تدعو الناس وتوجه القوم إلى عبادة الواحد القهار. وكان الأولى تأديب وتعليم انفسهم قبل أن يتوجهوا إلى الناس.. بل وتجد الكثير من هؤلاء أشبه بالخوارج من ناحية العبادة، نعم فعبادة الخوارج تجعلنا والناس نستحقر عبادتنا إزاء عبادتهم كما صرح الرسول الأعظم" ولكنهم يمرقون من الدين كما يمرق الرمح من القوس".
محمد صالح الحشئي
الاستغلال بالدين والاستظلال بالعقيدة 1080