عندما يسعى الإنسان لهدف عظيم يريد أن يحققه، أظنه يعف عن كل ما من شأنه أن يلهي غايته، الأمر الذي يفقده شهية كل شيء حوله حتى الطعام والشراب.
والخلاصة أن النجاح لمن يحالف هؤلاء الناس بسبب توفر الإخلاص وهذا ما يجب تعميقه في نفوس أبنائنا الطلبة، تحفيزهم على الهمة لبلوغ النجاح بمجهودهم لا بالاتكال على الغش وأن الفرق بين الحالتين كالفرق بين الشرف والسرقة وميزة كل واحد منهم وإن كان هذا ما نفتقر إليه في تعليمهم مدى جرم هذه الظاهرة وأحكامها في الشرع والدين لخلق قناعة شأنها أن تجعل من هذا السلوك عيباً دينياً ودنيوياً؟ لكن ما الذي يحدث في ظل انعدام القدوة, فبعض المراكز يحضر إليها للمراقبة أُناس ليس لهم صلة بالتعليم هذا فيما يخص بعض الأرياف وإن تجاوزنا هذا الأمر استوقفنا المدرس الذي افتقد المثالية, لأسباب يطول شرحها أهمها أنه وصل بنفس الطريقة فهانت عليه الأمانة ما جعلهم رخيصي الثمن الحد الذي قال لي أحد الطلبة إن البعض منهم ودون طلب من اللجنة يتفق مع زميله على الوقوف لمراقبة من يأتي ليطلب بعدها مبلغ 100 ريال من اللجنة التي عددها لا يزيد عن عشرين.
المعنى أن المبلغ- الذي سيجمع 2000 ريال مقابل السماح لهم بالغش مع العلم أن هذا الامتحان في إحدى الجامعات سنة ثانية لينتهي بنا المطاف بشهادات ونحن في حقيقة الأمر جهلة وإن أطلق علينا متعلمين, فتعالوا معي نبحث وأنتم عن أسباب ظاهرة الغش في امتحان الشهادة العامة والأوجه التي لم نتطرق إليها في الأرياف التي أخذت باعاً حتى وصلت حد الغش من الكتب والأسباب عديدة أهمها ما يحمله ريفنا اليمني من خصوصية في الزراعة التي تتطلب توفر أيدي عاملة وما عكسهُ هذا الجانب بسبب تسخير الأسر أبنائها في هذا الموضوع, حيث نجد معظم الأسر تتقاسم الأعمال حسب قدرة وإمكانية كل فرد بما فيهم الأولاد وان أعطيت لهم أعمال تتناسب مع أعمارهم ؟ كالراعي وإطعام الماشية وتحضير الماء.. إلخ الوقت الذي لا يتيح للأولاد مجالا للمذاكرة إلا في المساء فإن كان عمل اليوم مضني أعقبه النعاس وانتهى بالنوم المبكر وبالتالي لا يتأتى للطالب منهم التحصيل القدر الذي يتيح له فرصة النجاح نظراً لانشغاله، يأتي هذا كلما زادة ثروة أبيه الزراعية والحيوانية، بعكس ما يحظى به الطالب الذي ينتمي إلى أسره غنية في المدينة فربما ادخل مدارس أهليه الأهم من ذلك أن الطلاب في الريف يتغيبون عن المدرسة بشكل شبه جماعي أيام مواسم الحصاد مثلما يتغيب طلاب المدينة في مواسم الأعياد نظراً لانشغال الكثير منهم بالتجارة وإن كان هذا في أضيق الأحوال يصل إلى أسبوع قبل العيد وأسبوع بعده, لاسيما في المدارس الثانوية فيما تتسع الفجوة بين المدرسة وطلاب الريف أكثر أيام الحصاد فهي- وإن كادت تخلو إلا من اليسير من الطلبة- الوقت الذي لا تستطيع المدرسة اتخاذ أي إجراء احترازي من شأنه فصل طالب أو حتى حرمانه أو توقيفه والسبب إن الإدارة اخف وزناً من أوراق الشجر المتطايرة ربما عاد هذا الأمر إلي الطريقة التي يتعامل بها القبائل والتي لا زالت تجهل الكثير مما يطلق عليه" بالنظام" ما يعني أن المدرسة من ضمن ممتلكاتهم ولو تم فصل طالب غير ملتزم على سبيل المثال اعتبر هذا اعتداءً شخصياً على حقوق أسرة هذا الطالب ما جعل التعليم في الريف يخضع للأمزجة.. وبالتالي يظل مفقوداً لأهم الجوانب التي من شأنها التحفيز كأن يفصل طالب غير منتظم بهدف دفع الباقي للالتزام الوقت الذي لو حصل مثل هذا الإجراء لقامت ثورة تنتهي بتنحية المدير الذي فصله والأمر لا يحتاج إلى عناء أو مشقه فقط كل ما هنالك مجموعة من الناس تذهب لمدير المنطقة أثناء المقيل توضح فيه أن هذا المدير غير مرغوب به خصوصاً إذا كان "مخرجاً" كما يقال والقصد من هذا المعنى انه ليس من سكان المنطقة في حين تظل النظرة إليه في حدود انه معلم الصبية وحسب وإن حظي ببعض التقدير إلا انه كتقديرنا للسواح وهذا يعني أنهم قد يكونوا كرماء مع هذا المدير الوقت الذي تسخر مزارعهم بما تزخر به من الزبيب واللوز والعنب والقات لصالحه وصالح المدرسين, فيأتي آخر العام بحصيلة المثل القائل" اطعم الفم تستحي العين".
والخلاصة أن النجاح مفروغ منه فيما يخص النقل أما الشهادة- ونظراً لحضور مدير مركز آخر- قد لا يكونوا على معرفه به إلا أنهم لا يعدمون الحيلة في الترغيب والترهيب، لأن الدوافع ملحة لضرورة الغش لعلم الآباء بأن أبناءهم على قدر ضعيف من الاطلاع الوقت الذي ينظر إلى الشهادة بأنها سلاح توظيف لا أكثر فتبدأ المفاوضة مع مدير المركز في الغالب علنية بعدها يتم تسليم المبلغ من كل طالب حسب ما يتم الاتفاق عليه ليتم بعدها الغش علنيو فإن كان مدير المركز شريفاً ورفض يبدأ مراقبو اللجان من ذاتهم ويتم الغش دون أن يتمكن من عمل أي شيء في الوقت الذي يحضر فيه بعض البلاطجة كما يطلق عليهم على الساحات والأسوار، لذا نجد من يدرس في المدينة ينتقل للتسجيل في الريف عند بلوغه الصف الثالث ثانوي ليتمكن من الحصول على معدل في نسبة النجاح.
الظريف أن الوزارة اكتشفت هذا الأمر وبدلاً من إيجاد حل جذري من شأنه حل هذه المعضلة، منعت النقل من المدينة إلى الريف وكأنها بهذا قد حلت المشكلة، وان كانت المدن لا تخلو من ظاهرة الغش وخصوصاً هذا العام وما رافق ذلك من تسريب للأسئلة هذا حسب ما أفاده البلاغ الصحفي الصادر بتاريخ 18 /6 /2014م برئاسة الدكتور عبد الرزاق الأشول والذي يفيد انه تم تأجيل مادة التفاضل والتكامل والإنجليزي للقسم العلمي و كذلك تأجيل اختبار مادة التاريخ القسم الأدبي إلى يوم28/6/2014 باستثناء عمران.. كذلك إلغاء أسئلة الاختبارات لمواد "اللغة العربية، والكيمياء، والأحياء" التي سبق توزيعها على المحافظات.
وإن كانت نتيجة التسريب هذا جزءاً من تطور ظاهرة الغش ما يعني أن المشكلة في اتساع وليس ببعيد أن يتكرر مثل هذا التسريب في ظل عدم اعتماد الوزارة قوانين صارمة سارية المفعول تجرم مثل هذه الأفعال الوقت الذي وصل عدد المتهمين في تسريب الأسئلة حسب ما أدلى به الوزير حوالي 300 شخص.
في حين يظل الغش في المدن أقل تجاوزاً بخلاف هذا العام الذي شهد نسبة ارتفاع قد يختلف من مركز إلى آخر حسب طبيعة المراقبين الحاليين كما يقال وان كان الأحرى أن نقول سذاجة المراقبين وضمير مدير المركز وان كانت دعوة الضمير هذه ورقة أو شماعة نعلق عليها احتمال الفشل في ظل غياب نظام من شانه وضع حدود لكل شيء.
في خضم الحديث عن هذه الظاهرة كان لنا التوجه لوزير التربية الدكتور عبد الرزاق الأشول لاستقطاب راية والذي قال فيه إن محاربة الغش مسئولية مجتمعية ويجب أن نخلق رأي عام ضد هذا السلوك المشين ونماذج الأسئلة حدت بشكل كبير من الغش.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا بلادنا دون العالم يتم فيها هذا التجاوز من الغش؟ ربما كان السبب وعي المواطن بأهمية النظام إلا أن الأهم من هذا هو عواقب ما يترتب عليه الإخلال بالنظام والعقوبات التي تدفع الفرد للتفكير ألف مرة قبل الإقدام على المخالفة مثلما أقدم عليها من قاموا بتسريب الأسئلة هذا العام ولو طبق مبدأ الثواب والعقاب لتلاشت كل هذه الصور، أما ما يحصل لو افترضنا وجود مدير مركز مازال في وجهه الحياء وأخذته الحمية على الأمانة الموكلة على عاتقه في حال اكتشف مدرس يتيح للطلاب فرصة للغش هو أن يعفيه من المراقبة الوقت الذي بعدها يستريح في البيت وزملائه الشرفاء يراقبون فترتين في أغلب الأيام, فدعونا نتخيل لو كان العقاب صارماً قد يتجاوز فصله أو حتى توقيفه عن العمل أو حرمانه من الراتب سنه كونهُ أخلَّ بالأمانة التي أوكلت إليه؟.. لا شك أن حساباته ستتغير حينها حتى وإن كان بلا ضمير, أما وضع الطالب الذي يحاول الغش أو من يساعده من الخارج, فأمرهم أيسر من ذلك.. ومادمنا نجهل النظام فالأمر يتطلب أن يكون لنا أمن..
وأكرر يتولى كل الأطراف مسؤولية الامتحانات بحيث تكثف المراقبة على المراكز فيجد المراقب من يحميه من نفسه أولا والآخرين إلى جانب فرق التوجيه والتفتيش، حينها لا شك أن الأمر سيختلف والعبث سيكف ومن ثم ربما أدرك الأهالي أهمية التحصيل العلمي, فيتيحون لأبنائهم فرصاً حقيقية للتعلم, لكن ما الذي يجري لو تتبعنا ما يدور في امتحاني الشهادة العامة وبحثنا عن الأمن هذا إن وجد! لوجدنا العدد لا يتجاوز اثنين يقفون عند البوابة همهما: الأول أن يحظوا بالإفطار على حساب رئيس المركز والذي بدوره يحاول الاستغناء عنهم والادعاء أن المركز آمن، شيء يدعو إلى السخرية والازدراء ولعل هذا ما هو عليه الحال منذ أكثر من عشرين عاماً مضى بخلاف ما كان قبله ولو سئلنا ما الذي عملته الوزارات المتعاقبة طيلة هذه الفترة ؟ ما السر في أن يظل الوضع كما هو عليه؟ ربما كانت خطوه استباقية قامت بها الوزارة فيما يخص هذا الموضوع وهو تعدد نماذج الأسئلة لتصل إلى أربعة أسئلة ابتداء من العام الماضي وانتهاء بستة نماذج في حدود معلوماتي هذا العام كانت خطوة إيجابية ظلت الوزارة تفكر بها طيلة العقدين الماضيين, لتصل بعد ذلك إلى هذه النتيجة التي وإن اتفقنا معها إنها قد تربك أصحاب العيون المتلصصة من الغشاشين المحترفين في فن السرقات والذين تعودوا على نقل الإجابات من زملائهم في نفس اللجنة الوقت الذي جاءت هذه الطريقة عامل مساعد للمراقب الشريف الذي يسعى لضبط اللجنة في حدود إمكانياته ولعلها أكبر معين للسيطرة على العيون اللماحة إلا أن هذه الطريقة لا تعيق الطالب من الغش في ظل وجود مراقب فاسد لأنه يتيح وقتها الغش والتبادل بحيث يتم التبادل حسب النماذج المتشابهة سواء كان هذا الأمر بإيعاز من رئيس المركز أو بمجهود شخصي من المراقبين ذاتهم ليتم بعد ذلك الغش الجماعي على مرأى ومسمع الجميع الوقت الذي تسرب فيه الأسئلة إلى خارج المدرسة أثناء خروج الطلبة ليقوم بعدها فاعلو الخير وهم كثر على شرفات الأسوار أو خارجها بتلقين إجابات الأسئلة بموجب ميكرفونات اليد.
والسؤال: إلى متى يظل اعتمادنا على الضمير الغائب أو بالأحرى الميت ما دمنا قادرين أن نعالج مثل هذه المشكلات من خلال ما ينص عليه قانون يحفظ حق التعليم من هذه المهازل التي تحاك فيه وكم هي الفترة التي تحتاجها الوزارة للتفكير حتى تصل إلى هذه النتيجة؟..
عبد الوهاب البنا
أسباب ظاهرة الغش في امتحانات الشهادة العامة 1417