القطرة التي أفاضت كأس الخلاف الناشب منذ فترة ليست بالقصيرة بين الرئيس عبدربه منصور هادي وسلفه الرئيس السابق علي عبدالله صالح كانت هي أحداث الأربعاء قبل الفائت في العاصمة صنعاء والتي كشفت عن أن الخلاف حفر عميقاً في الرجلين وعلى النحو الذى عجز معه قياديون في المؤتمر الشعبي العام من احتوائه أو منع خروجه من الغرف المغلقة إلى وسائل الإعلام التي لابد وأنها قد وجدت فيه قصة صنعت منها قصصاً وروايات متواترة ومبتورة ومصطنعة إن لم يتحول هذا الخلاف إلى مادة للكثير من التحليلات المبطنة والمغلفة بالتسريبات التي تحمل الحقائق وأنصافها والتخمينات ومفرداتها بل إن هناك من عمل على استغلال خروج خلاف الرجلين إلى العلن ليصف أعمال الشغب في العاصمة على أنها محاولة انقلابية كان الهدف منها الإطاحة بهادي ونظامه وعودة النظام السابق بكل تفاصيله إلى سدة الحكم, بما في هذه الرواية من تجديف وتسطيح يصلان حد السذاجة اذا ما علمنا أن الانقلابات لا يمكن أن يصنعها بضعة غوغاء خرجوا للتعبير عن سخطهم جراء اشتداد أزمة المشتقات النفطية وانطفاءات الكهرباء وبالتالي فمن حاول تصوير تلك الممارسات التي اتسمت بعضها بالطابع الفوضوي من كونها محاولة انقلابية إنما أراد بذلك ربما منع رئيس الجمهورية عن رؤية الحقيقة حيال معاناة المواطنين الذين لم تعد أعين بعض المسئولين تراهم وآذانهم تسمعهم لانهم من يعيشون في وادي والمواطن في وادي آخر.
المؤكد أن الخلاف بين هادي وصالح لم يكن وليد الأشهر الأخيرة وإنما هو الذى بدأت بوادره قبل أن يجري نقل السلطة إلى الرئيس هادي في فبراير 2012م في انتخابات توافقية بموجب المبادرة التي اقترحتها الدول الخليجية في زمن الاحتجاجات العربية والتي لا شك وانها قد حملت سياقاً مختلفاً ومغايراً عما سبقها في تونس ومصر وعما تلاها في ليبيا وسوريا بحيث جاء الحل في اليمن مبنياً على قاعدة (لا غالب ولا مغلوب) واقتسام السلطة بدلاً من تقسيم الأرض إلا أن هذا الخلاف قد تصاعد اكثر عقب شعور صالح والعديد من قيادات المؤتمر بان الرئيس هادي يتجه إلى إيجاد معادلة جديدة دونما اعتبار لثقل حزبهم في الحياة السياسية.
قد نختلف في حبنا وكرهنا لهادي وصالح فنحن عبر التاريخ لم نتفق على أي شيء ولكن هناك حقيقة ثابتة ومتفق عليها من قبل الجميع أن الخلاف الذى انتقل من نطاق الأحزاب إلى دائرة الرجلين اللذين تحالفا في حرب الدفاع عن الوحدة وجمعتهما السلطة منذ عام 1994م وحتى 2012م في ثنائية كانت اقرب إلى معادلة (الشيخ والرئيس) بين علي عبدالله صالح وعبدالله بن حسين الأحمر .. فهل تغيرت أولويات صالح التي اعلن عنها عند خروجه من السلطة من انه الذى سيبقى عوناً وحليفاً لهادي كما كان هادي عوناً وحليفاً له حينما كان على رأس السلطة؟ أم تغيرت أجندات هادي ولم يكن إغلاق قناة اليمن اليوم ومحاصرة جامع الصالح سوى مؤشر على أن الرئيس هادي صار في وضع يسمح له بإزاحة كل مراكز النفوذ بعد أن تعززت لديه القناعة بأن هذه المراكز تمثل عائقاً لمسارات التسوية السياسية وخطوات الانتقال التي يقودها ولذلك فقد أراد أن تأتي البداية بحسم موقفة مع صالح؟ خصوصاً وهو من يسمع يومياً من بعض السياسيين والمستشارين عن أن صالح والمقربين منه والموالين له مازالوا يمسكون بالكثير من الأوراق التي قد تفتح شهيتهم لقلب الطاولة واستهداف نظامه إن لم يسمع الرئيس من هؤلاء أن صالح هو من يقف وراء كل الحرائق التي تشتعل كل يوم في اكثر من منطقة ومحافظة ولذلك فلابد له أن يتخلص من صالح الذى مازال يعتلي معه هرم قيادة المؤتمر الشعبي العام ولو أدى الأمر إلى استخدام عصا العقوبات الدولية لإرغامه على مغادرة البلاد ويتأكد هذا المؤشر من خلال التقرير الذى قدمه يوم امس جمال بنعمر إلى مجلس الأمن والذى عبر من خلاله عن القلق جراء مواصلة المعرقلين للتحريض والاضطرابات حسب وصفه.
وفي كلا الحالتين فإنه- وفي ظل صمت الرجلين وحرص كل منهما على عدم الحديث عن ما يثار في وسائل الإعلام وما يتردد ويطرح وتتناقله الألسن بشأن عوامل الخلاف والأسباب التي أدت بهما إلى القطيعة وعدم التواصل حتى عن طريق الهاتف- فالأكيد أن صالح يخطئ بحق نفسه وأنصاره وبحق المؤتمر الشعبي العام الذى يرأسه اذا ما اعتقد أن فشل هادي هو نجاح له وان جر البلاد إلى معارك جانبية سيمنحه الفرصة لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين والانتقام منهم وبالذات وهو من يعلم أن المجتمع الدولي صار يتعامل مع اليمن كدولة فاشلة ودولة مفرخة للإرهاب ومنتجة له وبوصفها بؤرة لإقلاق السلم والأمن الدوليين وانه الذى لن يسمح لأحد بان يشكل حجرة عثرة أمام هادي وما يسعى اليه على صعيد إيجاد توازنات جديدة وتحالفات مختلفة عن التحالفات السابقة يقودها لاعبين جدد هم في الغالب ممن سيدير مستقبل العملية السياسية في اليمن خلال الدورة القادمة وربما الدورة التي ستليها أيضا.
وفي ذات الوقت فان الرئيس هادي الذى وصلت اليه السلطة من دون إعداد مسبق لابد وانه الذى يدرك تماماً انه وان كان بإمكانه إضعاف صالح وتجريده من كثير من أوراق التأثير فانه الذى ربما لن يستطيع إبعاده في اللحظة الراهنة من رئاسة المؤتمر الشعبي العام وبالذات وأن جزءا كبيرا من قيادات وقواعد المؤتمر يرفضون التخلي عنه ليس فقط بوصفه المؤسس للمؤتمر وإنما لخوفهم من أن يقوم هادي من إعادة تكييف المؤتمر وفق الوجهة التي تسمح له بالسيطرة الكلية على هذا المكون السياسي والحزبي والذى ومهما قال عنه خصومه فانه الذى مازال يتمتع بقاعدة عريضة وتأثير واسع في الحياة السياسية ولذلك فمن مصلحة هادي أن لا يترك للصراع على قيادة المؤتمر أن تقود إلى انقسامه وتفتيت وحدته الداخلية حيث وان أي انقسام يتعرض له المؤتمر الشعبي العام سينعكس بتأثيراته على العملية السياسية برمتها وهو ما استوعبه الكثير من السياسيين بما فيهم خصوم المؤتمر الذين ظلوا يؤكدون على أهمية الحفاظ على هذا المكون الحزبي وعدم تفتيته.
وتقتضي الأمانة الإشارة هنا إلى أن الحكماء هم وحدهم من يؤمنون بان عجلة التغيير في اليمن لن تدور إلا بتكاتف جميع اليمنيين حول رؤية للمستقبل لا يقصى فيها احد لمجرد انه مخالف في الرأي أو الاجتهاد وان هؤلاء الحكماء فقط من يعتقدون بان نوازع الانتقام والاستغراق في الماضي والدفاتر القديمة إنما هو الذى قد يأتي بنتائج عكسية ومدمرة وهو اعتقاد صائب يشهد على صوابيته ما يجري اليوم في العراق وليبيا وسوريا من عنف وعنف مضاد بعد أن دفعت هذه البلدان دفعاً نحو الانفجار والفوضى والحروب الأهلية.
وفي قراءة بسيطة لطبيعة المشهد اليمني فان من الأهمية عند أي ترتيب لمستقبل العملية السياسية عدم تجاهل اللاعبين الأساسيين اليوم وهم في الغالب من يتشاركون في تحمل مسئولية مرحلة الانتقال نقول ذلك من وحي بعض الإرهاصات التي بدت تظهر في المشهد السياسي والحزبي والتي حملت ملامحها الأولى على أن هناك من يعمل على إعادة التحالفات والتفاهمات ولعل ما جرى في حزبي البعث يعكس على أن هذه هي الخطوة الأولى وستليها خطوات أخرى تطبخ وتيرتها الماراثونية حالياً خلف الأبواب المغلقة لترى النور قريباً.
واذا ما انطلقنا من مبدأ أن في أي عمل سياسي لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل هناك مصالح دائمة فإنه ليس من الغريب أن تتغير المواقف بين الأعداء والأصدقاء وتظهر من المفاجآت التي قد تعيد حسابات الكثيرين سيما الفاعلين منهم واغلب الظن أن الرئيس هادي يعرف داعميه ويعرف من يتخفى خلف الشعارات الكبيرة والتزلف والنفاق والعزف في كل الموائد ليس حباً فيه ولا كرهاً في صالح وإنما من اجل بلوغ مصالحه التي لا تتحقق إلا في أجواء الأزمات والصراعات والقطيعة.
علي ناجي الرعوي
صراع الكبار..والتحالفات القادمة !! 2361