اختلفت ردود الفعل حول التعديل الوزاري الذى أجراه الخميس الماضي الرئيس عبدربه منصور هادي على حكومة باسندوة بين من اعتبره خطوة كانت منتظرة من شأنها تحريك جمود الأداء الحكومي, وبين من اعتبره أقل من التوقعات وأنه الذي جاء خالياً من أي مفآجات عدا أنه قلَّص من سيطرة الأحزاب على الوزارات السيادية ومنح الرئيس فرصة تعيين ثلاث شخصيات في المالية والنفط والخارجية دون مشاورة الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة, الأمر الذي أثار هاجساً لدى بعض هذه الأحزاب التي سارعت إلى وصف التعديل بأنه لا يلبي معالجات الوضع الراهن إن لم يكن قد تجاهل روح الشراكة الوطنية التي قامت عليها العملية السياسية وفقاً للحزب الاشتراكي.
ومهما تباينت المواقف حيال هذا التعديل والملاحظات عليه, فالبسطاء من الناس لا تهمهم كثيراً الأسماء والأشخاص الذين دخلوا الحكومة أو رحلوا عنها وولاءاتهم والجهات المحسوبين عليها, بقدر ما يهمهم "حلحلة" الأزمات التي تنغِّص حياتهم بل إنهم من يتطلعون إلى حكومة قوية ومستوعبة لمسؤولياتها ومهامِّها وتعمل وفق برنامج محدد على إخراج البلاد من متاهات الاختناقات التي صارت تمثل السمة البارزة في هذه المرحلة في ظل اعتماد مبدأ التوافقية أو نظام المحاصصة والذى لم ينتج حكومة منسجمة ومتناغمة تسهم في حل مشاكل اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى العكس من ذلك فقد أثبتت التجربة أن أصل المشكلة في الحكومة تتمثل في عدم انسجام مكوناتها وتناقض رؤاها؛ الأمر الذى انعكس على أداء هذه الحكومة واضطرابها وارتباكها وتناقضها وبُطئها في إنجاز الحد الأدنى ممَّا وعدت به في برنامجها حيث ظهرت غائبة أو مغيبة عن تفاصيل هذا المشهد وما يعانيه المواطن من ضغوط حياتية ونفسية مكتفيةً بتكرير الكلام الممل والمعاد عن المؤامرات والمخططات التي تستهدفها, رغم إدراكها أن هذه الأسطوانة المشروخة لم يعد يلتفت إليها المواطن, خصوصاً وهو الذى لم يسمع من هذه الحكومة ما تفصح به عن من يقفون وراء تلك المخططات والمؤامرات ولم يرَ منها أية إجراءات ضد هؤلاء وهي من بيدها القانون والسلطة وأجهزة الضبط لردع وزجر كل من يحاول العبث بمصالح المجتمع أو يسعى إلى تعطيل المسارات وإثارة الفوضى والتخريب وإنهاك البلاد بالأزمات.
لا أتصور أن التعديل سيحل المشاكل التي واجهت حكومة باسندوة في نسختها الأولى؛ لأن العطب الجوهري لم يكن في الأشخاص وإنما في عدم وجود رؤية واضحة لدى الحكومة بطبيعة استحقاقات المرحلة الانتقالية والتي يتصدرها وعلى نحو قطعي العبور بالبلاد من حالة الاضطراب إلى مرحلة الاستقرار وكان بإمكان الحكومة تحقيق هذا الهدف لو أنها من تعاملت مع متطلبات وتدابير الانتقال بشكل صحيح ومنهجي.
وترتيباً على ذلك, يمكننا القول إن الحكومة الانتقالية لم تقم بأيٍ من الأعمال الهامة والضرورية التي تدخل في صميم الفترة الانتقالية وإنما سارت في أعمالها بنفس الوتيرة التي كانت تسير عليها الحكومات السابقة حتى أن أحداً لا يجد فارقاً ملموساً بين الطريقة التي تعاملت بها الحكومة الانتقالية مع أزمة المشتقات النفطية والتي تحولت إلى معركة يوميه تبدأ رحاها في طوابير السيارات أمام محطات البنزين والغاز وتنتهي بالاشتباكات بالأيدي والأسلحة بين المواطنين وتعالي أصواتهم تعبيراً عن سخطهم وقلقهم وشعورهم بالمهانة وهم يرون هذه الحكومة تتخلى عنهم أو أنها التي لم تعد تشعر بمعاناتهم وصارت تتعامل معهم بوصفهم عبئاً عليها أو مصدرا من مصادر إزعاجها إلى درجة أن هناك من المسئولين من خرج ليعاتبهم على مطالبتهم للحكومة بتوفير احتياجاتهم من المشتقات النفطية ويذكرهم بأفضال الحكومة عليهم من خلال استمرارها في دعم تلك المشتقات وكذا دعم الكهرباء التي تصلهم خدماتها بأسعار زهيدة.
ولهذا يمكن القول إن الذى جرى ويجري في العمل والممارسة أثناء الفترة الانتقالية قد اثبت وعلى نحو واضح لا لبس فيه ولا غموض ان الحكومة الانتقالية لم يكن لديها أية رؤية محددة بأولويات هذه المرحلة وطبيعتها ومتطلباتها ومن أولى هذه المتطلبات توفير وتهيئة الظروف النفسية والموضوعية لعملية الانتقال وأكثرها لزوماً فرض هيبة الدولة واحترام القانون وبسط الأمن وانعاش الاقتصاد وتجفيف منابع الفساد وغير ذلك من التدابير التي كانت تقتضيها المرحلة الانتقالية منذ بداياتها الأولى.
والشيء الذى لا يختلف عليه اثنان أن التعديل الحكومي يمكن له ان يصبح حدثاً حقيقياً إذا ما تغيرت الآليات واتجهت الحكومة إلى تهيئة السبل والظروف المناسبة للعبور نحو الوضع الدائم والسير نحو بناء الدولة بصورة مباشرة ودونما معوقات أو عراقيل واتجهت للتعامل مع قضايا المواطنين وبالذات ما يتصل منها بعوامل الفقر والبطالة وحق العمل والغذاء والصحة والتعليم بروح المسؤولية أما اذا ما استمر أداء الحكومة بنفس الطريقة المتبعة الآن؛ فإنها سوف تحتاج إلى فترة انتقالية جديدة لمعالجة أخطاء وعيوب المرحلة الراهنة وعلى الأخص فيما يتعلق بالاختلالات الأمنية وما يترتب عن الصراعات الداخلية وتجاوزات الجماعات المسلحة التي تمارس سياسة لي الأعناق, إذ لا يمكن الانتقال للوضع النهائي مع استمرار الحالة المضطربة في الوضع الأمني والاقتصادي واستمرار الاستقطاب السياسي وفوضى السلاح وسطوة المليشيات وعجز الدولة عن فرض النظام والقانون على الجميع.
بالتأكيد إنه وما لم تحسن الحكومة التعامل مع هذه المهام والأولويات, فإنها التي قد تفاجأ بالخطر الأكبر متمثلاً بثورة الجياع والأفوه المفتوحة التي ستجرفنا جميعاً إلى مهاوي الضياع .. ومن باب المصلحة أن يتوقف الجميع عن الاستهانة بمعاناة المواطنين قبل أن يطفح الكيل ويفيض السيل ويختلط الحابل بالنابل.
علي ناجي الرعوي
الحكومة المعدلة..واحتمالات الخطر الأكبر!! 1850