أصبحت كلمة تغيير مشكلة بحد ذاتها عندما أصبحت معركتنا مع التغيير معركة مفهوم أكثر مما هي معركة تحرر وتحرير..
كتبت مقالة في بداية حركة الشباب الاحتجاجية أو ما عرف بثورة الشباب العربي وما رافقها من زخم وهالة وتوقفت عندها الكثير من الآمال وتطاولت إليها الأعناق على أمل أن تشرق شمس يوم أو زمن جديد على منطقتنا وشعوبنا التي ذاقت وتذوق الأمرين على أيدي حفنة من الفاسدين والفاشلين والعابثين الذين سلطوا على رقاب العباد فعاثوا في الأرض فساداً.
كانت المقالة تحت عنوان" نعم نريد التغيير ولكن من سيغير؟" لم أكن أتكهن ولا أعلم الغيب ولا أقرأ طوالع النجوم.. ولكن ربما هو نوع من الحدس والإحساس الداخلي والارتباك الفكري وليس الارتباك الفكري بمعنى عدم الإدراك.. ولكن بمعنى التداخل والتقاطع والتجاذب والتنافر بين ما ينبغي وما لا ينبغي, وبين ما يدرك وما لا يدرك, بين ما يؤمن به العقل والمنطق وبين مالا يؤمن به وبين معطيات الواقع ومخرجات وإفرازات سنين الفساد والكساد.. كنت أدرك وأتخوف من الحالة الشبيهة التي وصلنا إليها رغم أننا مازلنا نشكل فيها التميز الايجابي مقارنة بغيرنا من الشعوب التي هبت عليها رياح الثورة الشبابية ونسائم الربيع العربي.. كنت وما زلت أتخوف من التربص بأوطاننا التربص الداخلي الذي يقف خلفه الطابور الخامس من المتمصلحين والمتسلقين والمتملقين وقانصي الفرص الذين لا يهمهم سوى تحقيق مآربهم ومستعدين ان يكونوا كجلود الحرباء التي تتلون بكل الألوان حسب البيئة ومقتضيات التمويه والتخفي وتغيير الحقائق وتزييفها..
هذا الصنف وهو الخطر والأخطر الذي لا يعرف من المبادئ إلا اسمها ولا يعرف من الثورات إلا رسمها أو علمها.. مستعد أن يلبس اليوم بدله كاهن وغدا بدلة زاهد عابد وبعده بدلة زنديق منحرف.. ولا أعني بالبدلة الملابس والثياب وإنما المبادئ والقيم والتصرف والسلوك.. يتخوف الإنسان وما زال يتخوف ويأتيه الشك من كل مكان عندما يرى من هو فاسد من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه, يتحول بقدرة قادر وفي لحظة سريالية إلى مصلح وزعيم وثائر يتكلم عن الفساد وينتقد الفاسدين وهو غارق في الفساد حتى الثمالة.. مثله مثل الديك الذي يرفع صوته بالصياح وهو على أكوام الزبالة.. تتخوف عندما ترى جماعات وأحزاب وأفكار تتكلم عن التغيير وشاركت وتشارك بكل نشاط وفي كل مناسبة لها علاقة بالتغيير أو الثورة وهي تحمل مبادئ وأهداف ولها مرامي وأبعاد تحتاج بحد ذاتها إلى ثورات لا ثورة واحدة لتغييرها..
هنا تبدأ تتراجع عن الاندفاع وتتوقف للمراجعة أو التفكير وهذا لا يعني الاستسلام أو الإيمان بالوضع السيء أو الفاسد على أنه الأفضل أو لا يمكن تغييره ولكن لأنك لا تريد أن تكون الإنسان الساذج الغر الذي ينضحك عليه بسهولة ولا تريد أن تكون إلامّعة الذي يجرفه التيار كالغثاء أينما انطلق وحيثما توجه..
صحيح نندفع ونتحمس لكل صوت ينادي بتغيير واقعنا لأننا في أمس الحاجة أن يتغير لكننا لا نريد التغيير بمفاهيم الآخرين أو الذين لهم أهداف وأجندة لا تمت إلى واقعنا ومصالح شعبنا وحياتنا بصلة.. ربما نحتاج الكثير من التوقف والوقوف والتوقفات والتأمل والتأملات بروية وإدراك وعمق وسبر الأغوار البعيدة والتطرفية الرامية الأهداف قبل أن يأخذنا الحماس خارج الحسابات الحقيقية أو تنجرف وراء تيار يلقي بنا في التهلكة ونحن لا ندري..
علي الربيعي
التغيير كلمة كلٌ يفهمها على هواه 1359