المقصود بالعدل هو المساواة في المكافاة" إن خير فخير وإن شر فشر".. إن من خصائص العدل الذي يدعو إليه القرآن هو الوسطية والاعتدال، فهو لا يهتم بالقيم الروحية على حساب القيم المادية ولا تطفي القيم الجسدية على حساب الحاجات النفسية، فقد وازن بين المادة والروح، ونظر إلى الإنسان على أنه وحده لا تنفصل فيها حاجات الجسد عن حاجات الروح، وأما الظلم فله أشكال متعددة أبرزها ظلم الدين، قال تعالى "إن الشرك لظلمٌ عظيم"..
ويشمل كذلك الاعتداء على المقاصد الضرورية الأخرى للشريعة وهي: النفس، والعقل، والنسل، والمال، فنهى الشرع ظلمها والتعدي عليها، وينظر القرآن إلى أن الظلم المنصب على الإنسان لا يقتصر على حجب حاجاته البيولوجية الأساسية فحسب، بل يتجاوزها إلى مظالم أخرى أصعب وأشد تعقيداً، منها حجب حريته، وكبت تعبيره الذاتي، ووقف مطامحه وقد نهى الله بالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي..
والبغي هو: الجور والظلم وتجاوز الحد في كل شيء، فالاعتداء على المواطنين وترويع أمنهم واستقرارهم ونشر الرعب في أوساط المجتمع وتخريب وتفجير المنشآت الحيوية التي تمثل أهم روافد الاقتصاد اليمني مثل آبار وأنابيب النفط ومحطات الغاز وأبراج وخطوط الكهرباء وتلحق أضراراً بالغة بالوطن والمواطن، يعتبر ذلك العمل أبشع أنواع البغي والظلم وإفساد في الأرض وتضيف تلك الأعمال الإجرامية والتخريبية بالإرهاب، لأن الضرر لا يلحق بالدولة فقط إنما كل شرائح المجتمع من المواطنين صغيراً وكبيراً غنياً أو فقيراً..
ويتكبد الاقتصاد اليمني خسائر تقدر بمليارات الريالات شهرياً ويعاني المواطن اليمني معاناة بالغة منذ أكثر من ثلاثة سنوات وتمثل أهم تلك المعاناة بالانقطاع المتكرر للكهرباء، اختفاء المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، وارتفاع أسعار سيارات الماء (الوايتات) إلى الضعف أو اكثر، وارتفاع أجور المواصلات والكثير من المواد الغذائية الضرورية، كل تلك الأعمال التخريبية والإرهابية هي في أعلى درجات الظلم لأنه يمثل اعتداءً على النفس والمال لقد تحدث ابن خلدون عن الظلم بوصفه أحد أبرز أسباب زوال الحضارات والدول، فقال تحت عنوان "الظلم مؤذن بخراب العمران":"
واعلم أخي أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران والمنشآت وتدميره، فالعمران هو البناء الحضاري في جميع مستوياته الفكرية والثقافية والمادية".
من مظاهر العدل في القرآن؛ حماية المؤسسة الاجتماعية الأولى وهي الأسرة التي تعد أهم أساسيات نمو المجتمع وتكوينه وتطويره، ومن مظاهر العدل أيضاً في القرآن احترام حرية العقيدة للإنسان وعدم إجبار الناس على اعتناق ما لا يؤمنون به والالتزام بما لا يريدونه؛ قال تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي".
د.عبدالسلام الصلوي
العدل والظلم!! 1215