على خشبة واقعٍ مشبعٍ بالرتابة واللّغو واللّغط؛ تأخذك بعض مشاهد النُّبل نحو أقاصي حضورها الفاره الجميل ، فلا تتردد من أن تطلق لساقي غبطتك وسرورك العنان.. سواد هذا الشعب الماثل لِنصَب الحياة وأوجاعها هو من يتفنن في أداء تلك الأدوار الباذخة بهاءً وإنسانية.. ستبوء محاولاتك بالفشل وأنت تحاول الإحاطة بإحدى الصور التي تلتقطها عدسة مشاعرك لعاملٍ كادحٍ على رصيف البطالة يفتّش نفسه بعناية، باحثاً في ملابسه الرثّة عما يُمكِّنَه من زرع ابتسامةٍ غضّةٍ في وجه أحد الأشقاء السوريين الواقفين على شفا التيه والشّتات؛ ذلك لأن أبعادها الإنسانية الرائعة (الصورة) أكبر من أن تؤطّرها لحظة تأمل عابرة!! يأمل هذا اليمني العظيم أن تمنحه اللحظة قسطاً من الحظ السعيد فيعثر على شيء مّا ينبذَه بين يدي ذلك العابر الكسير، علّ في ذلك ما يرمم من تصدعات واقعه النفسي الوخيم؛ يأمل ذلك وهو الواقع مثله تحت قبضة واقعٍ موغلٍ بالقسوة والحرمان! هذا الاندفاع الإنساني المفعم بسجايا التراحم العظيمة الخلّاقة خلقت -رغم اعتياديتها بالنسبة لهذا الشعب اليمني المضياف بطبيعته- عدداً من التساؤلات الملِحّة: ما الذي يحول أو يمنع من ظهور هذه السجايا الرائعة فيما بيننا نحن اليمنيين؟ وماذا لو أنها وُجِدَت بالفعل، هل كان بوسع الفاقة أن تتجول في أوساطنا بهذا الشكل اللافت والمخيف؟ هل للسياسة يدٌ غير نزيهة في ذلك؟ وهل نحن بحاجة إلى كل هذا "العكّ" السياسي المبتذل الرافد للغائية والغثيان؟!جُلّ هذا الشعب ، إن لم يكن كله، "شغّال سياسة قرعة"،، في البيت، في الشارع، في الفيس، في الجامع، في كل مكان سياسة، حتى وأنت على ظهر دراجة نارية وتحت أزيز صوتها المزعج وفي طريق موبوءة بالمخاطر إن افلتها انتباه السائق؛ أفلتتك للجحيم؛ لا يتردد السواق من تقديم نفسه كسياسي بارع يفهم ما يدور خلف كواليسها المعتمة وحقيقة أن هذا "الوطن باعوه من لا ضمائر لهم "وإن" الشعب اليمني أطيب شعب، لكن مالقيش من يقوده ويخرجه لا طريق"!!
كلّ هذا التدافع المحموم، المثير لشهية المناكفات والمماحكات، المعززة لأرصدة الحقد والضغينة في المجتمع؛ يستدعي من هذه الحكومة "الكسيحة" أن تسارع في إعلان هذا الوطن منطقةً منكوبة بالسياسة، حتى يتم تفادي ما أمكن من هذه "المفراغة" التي استنزفتنا كثيراً ولا يزال البعض- ممن يعاني تخثّرا أخلاقياً وخيماً- يتناولها من كونها مناسبة لتلغيم الواقع بديناميتات الخصومات والصراعات الشخصية والحزبية المقيتة التي تتناسل بين يدي واقع اجتماعي لا يتردد -البتّة- من الاستجابة لتغذية كلّ هذا التشظي والشقاق.
الخلاصة أنّ لدى هذا الشعب ما هو أهم من ذلك بكثير،،وللسياسة ساسةٌ، هم وإن أرهَقَنا -اليوم- حضورهم الباهض المكلف ؛ فلا بد في دورات الحياة القادمة وبعد أن يكون الوعي المجتمعي الخلّاق قد بلغ مستوىً معيناً من النضج والاتزان يؤهل للبناء عليه؛ لابد أن تستجيب بقية أجزاء الحياة بمكوناتها ومساراتها المختلفة لدعوى التماسك والبناء ولن يضير حينها الحديث في السياسة بل سيمثل رافعة قوية لنقد الأوضاع وتنميتها على النحو الهادف المنشود.
المرحلة تقتضي أن نبتعد قدر الإمكان عن كلّ ما من شأنه أن يجرّنا نحو منزلقات الكراهية وأن نفتح في جدار هذا الواقع المعتم نافذة أخرى للتسامح والحب تغسل بشلّالات ضوئها كلّ القلوب فهل لدينا الاستعداد لفعل ذلك!؟ الأمر على نحوٍ من البساطة، فقط مَن يبادر؟!..
غيلان العماري
كفى سياسة..!! 1319