إن المنهج القرآني هو منهج حوار فقد تضمن الحوار مع الكافر والمشرك والمسلم وأوضح لنا كيفية الحوار وأساليبه ووسائله، ومن فوائد الحوار هي تحرير الإنسان من عداوة الآخر لأن الحوار يزيل الخلاف بالوسائل والطرق السلمية فيحول العداوة إلى محبة والحرب إلى سلم والتمزق إلى وحدة والضعف إلى قوة والشقاء إلى رخاء ولذلك يتحرر الإنسان من استبداد الحرب والصراع فأوجب الإسلام الالتزام بالحوار كمنهج حياة اعتقاد وسلوك،قال تعالى:" وَلا تَسَتَوُيَ اَلْحَسَنَةً وَلا الْسَيِئَةً أَدَفَعَ بِاَلْتِيَ هِيَ أَحَسَنَ فِإِذَاْ اَلْذِيِ بِيَنَكَ وَبِيَنَهُ عَدَاُوَةً وَكَأَنَهُ وَلِيً حَمِيَمً"
قال تعالى:" وَجَاْدِلَهُمُ بِاَلَتِيَ هِيَ أَحِسَنَ، وَإِنَ رَبِكَ هُوُ أْعَلْمَ بِمَنَ ضَلَ عَنَ سّبَيِلَهُ وَهُو أَعَلِمَ بِاَلْمِهَتَدِيَنَ "
تلك ومضات من المنهج القرآني القائم على الحق والعدل في إصلاح النفس حتى تصل إلى الاطمئنان وفق منهج يريد به الله اليسر والتسهيل.
قال تعالى "يُرَيِدَ الله بِكُمْ اَلْيُسَرَ وَلا يُرَيِدَ بِكُمْ اَلْعُسَرَ" ثم بالاقتداء بالرسول الذي حرر الأمة بتطبيق منهج الله قولاً وعملاً.
الحرية في الإسلام حرية هادفة غايتها الحفاظ على كرامة الإنسان وآدميته, حرية تحافظ على الذات وعلى الآخرين، حرية يعيشها المجتمع والبشرية في إطار تعاليم تطابقت مع فطرة الخلق الناظمة للأهواء ولذلك نبهنا إلى خطورة الأهواء النفسية، قال تعالى ( أَرَءَيْتَ مَن أتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيهِ وَكِيلاً).
فالإسلام يبدأ بتحرير الإنسان من ذاته فلا تستبد به غرائزه وأهوائه فينحرف تبعاً لذلك عن الحرية الرشيدة ولذلك يفرض علينا بثوابته تحويل الفكر إلى فعل أبتدأ من تحرير أنفسنا من نمط الفعل الناتج عن الغرائز والرغبات والتدين كثقافة إلى الفعل والتدين الرشيد وفقاً للمنهجية الفطرية (المنهج الإسلامي ). ذلك سيجعلنا نتمرس على كيفية العيش أحرار وندافع عن الحرية وسيجعلنا نحافظ على حرية الآخر والمجتمع وندافع عنها معاً ثم نؤدي واجبنا في تحرير الإنسانية فالدين يعد الإنسان داخلياً مما يجعله عنصراً نافعاً غير مفسداً.
فإفساد الحرث والنسل هو اعتداء على حرية الإنسان في الملكية والحياة، إن الأساس في الإيمان بالحرية وحمايتها يبدأ من إعداد المحتوى الداخلي للإنسان وهذا هو هدف وغاية الدين الإسلامي، ذلك سمي في الإسلام الجهاد الأكبر الذي يعمل على إعداد الإنسان فيصبح القول عمل وتهذب النفس من دوافعها المنحرفة فتثمر خيراً لمن حولها ولا ينطبق عليها قوله تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)
ولتقويم مسار فكر الأمة فلا بد من التحرر من أسر الموروث ولا نعني رفضه بل نبدأ التحرر بالحوار مع الموروث الفكري والفقهي لكي نستفيد من إيجابياته فلا نكون مع من يجانبهم الصواب بالشطط (الجحود بالموروث ورفضه) ولا نقف مع أنصار الجمود في الفكر والفعل ولكن نعتمد على المنهج الإسلامي القائم على الوسطية والموضوعية والتكامل في الفكر الإسلامي المستنبط من معرفة مؤسسية مكونه من تخصصات تشمل جميع فروع الفكر الإسلامي، تثمر رؤى وحلول مستقاة من النهج القرآني وصحيح السنة مستعينين بالموروث لفهمهما ونأخذ منه ما يفيد ويناسب الواقع لنصل إلى التفكير الاستراتيجي لمعالجة أسباب انطفاء توهج الحرية التي هي أصلً في الدين وهدف رسالته الخالدة ! لأنها الدافع لحركة إبداع الإنسان.
فالحرية تخرجنا من الاعتياد والتسليم للموروث لأنها تحرر الذهن ليصل إلى الرشد في التفكير، فيصبح الفكر السوي مستعيناً بالموروث لا خاضعاً لهُ وننطلق في عملية التصويب والنماء من ثوابت الدين - التوحيد والعدل والوحدة والحرية والمساواة والشورى والعلم والعمل والأخذ بالسنن، لنصل إلى النماء والتطور والإبداع حتى نصبح القدوة في الحرية ثم نملك القدرة على تحرير الآخرين ولعالمية الإسلام وخلوده فإنه يوجب علينا الإبداع والابتكار ليكون لنا السبق وذلك لنحقق معنى الاستخلاف وهذا لا يتأتى بالاستكانة والاستسلام والخضوع للموروث "الاجتهاد البشري" الذي أدى ويؤدي إلى جمود المسلمين وتخلفهم لابتعادهم عن حيوية وخلود المنهج الإسلامي الملبي لاحتياجات الواقع لحل معضلاته ودفعه إلى الإبداع والنماء والرقي.
أحمد محمد الحاضري
الحوار منهج الإسلام 1330