مما لا شك فيه أن التنوع البيئي يكسب شخصية الإنسان صلابة وقوه أساسها البيئة المحيطة بنشأته ومدى احتكاكه وقدرته على التعامل والتأقلم مع مفردات الحياه فيها وهو ما يعبر عنها أبي بالقول "الإنسان ابن بيئته".

فالنشأة في اطار بيئة ريفيه بما تحتويه من عناصر إيجابية تسقل شخصية الإنسان وتمنحها عناصر القوه مستقبلا في مواجه مشاق الحياه.

ذلك أن هذه البيئة بما تحويه من مشاق وتحديات قد تكون حافزاً للإنسان لتطوير نفسه ومصدر طاقة له للتميز والتفرد بين أبناء جيله كما هو واضح من كتاب الأيام لـ"طه حسين" والعقاد وأم كلثوم وغيرهم من عمالقة الفن والأدب.

فالانطلاق في ربوعها والاحتكاك بمجتمعها المتميز يجعل للشخصية بعداً إنسانياً يمكن إبراز ملامحه بالآتي:

1-الجانب الاجتماعي منذ النشأة الأولى يجعل الإنسان صلباً قادراً على التفاعل مستقبلاً مع المجتمع.

2-الفقر وصعوبة الحياة وانعدام الخدمات تنمي عنصر التحدي في شخصية أبناء الريف وتمنحهم القدرة على التحدي مستقبلاً وعنصر وقاية من تقلبات الزمن. ورغبة ملحة في التخلص من الصعوبات التي تحيط بهم وهو ما يجعل هذا الإنسان متميزاً دائماً.

3-القيم الأصيلة في هذه البيئة يكسب شخصية الإنسان بعداً أخر يجعلها شخصية ملتزمة بالصدق والأمانة والعدل.

4-الأسرة الممتدة تكسب شخصية الإنسان بعداً اجتماعياً ورعاية ثانوية ممتدة وحماية عاطفية مستمرة ودائمة.

كما أن البيئة القاسية تصقل عنصر الأمومة أو الأبوة الذي هو عنصر جيني في الأساس وذلك عن طريق تنمية جانب التضحية في شخصية الإنسان، عكس البيئة الناعمة التي توفر للإنسان كل متطلبات الحياه وتكفل له سد جميع احتياجاته، فيكون الأول هو الأقدر على التغلب على صعوبات الحياه واجتياز اختباراتها المتكررة بل وتحديها محاولاً التفرد والتميز فيها، وفي التنوع بين بيئات متعددة في طبيعتها ومناخها وتكوين مجتمعاتها عنصر فريد في بناء شخصية الإنسان تجعله مختلفاً عن غيره متميزاً عن أبناء جيله، وقد يجد هذا الإنسان صعوبة يوماً في التعامل مع إحداهن لان شخصيته نتاج تفاعل الكل وكل منها لا تشكل بيئة حاضنة له ولا مدافعة عنه، وهو لا يشعر بحرج أبداً من صعوبة يجدها في التعامل أو التكيف مع ظروف بيئة شكلت يوماً شخصيته، كما يشعر بفخر أن الأسرة الممتدة كانت ومازالت وستظل تمده بالحماية العاطفية والرعاية المستمرة, فتلك ميزة قلّما يجدها الكثير ولا يمكن أن تشكل يوماً عنصراً للضغط النفسي أو استغلال الآخرين وابتزازهم, فكل هذه العوامل عناصر قوة وليست عناصر ضعف على الإطلاق.