ملاحظ أن الوطن العربي كله يعيش في حالة حرب على كل الصعد، وتسأل عن الهدف المطلوب تحقيقه من تلك الحروب، فلا تجد جواباً مقنعاً.
لنبدأ بالخليج العربي.. تعيش دول الخليج العربية حالة حرب باردة، يؤججها إعلام غير مسؤول، أعني إعلام التواصل الاجتماعي والإعلام الخليجي المهاجر. ونحمد الله أنها لم تنزل إلى الشارع، وجعلت ميدانها "تويتر" و"فيسبوك" و"واتس أب"، لكنها، بلا منازع، مؤثرة على الحياة الاجتماعية في كل دول الخليج، نظراً للتداخل العائلي، فالأسرة الواحدة تجدها منتشرة في كل الدول الخليجية، ما يجعل هذه الخلافات تؤثر في الحالة الاقتصادية والأمنية، وتثير الشكوك لدى الأنظمة السياسية في ولاء المواطن الخليجي تجاه هذه الدولة، أو تلك.. من هنا، يأتي الإرباك الأمني، وتنشغل الأجهزة بملاحقة المواطنين في دول مجلس التعاون، فيما أمور كثيرة تربك دول المجلس، لا يتسع المجال لسردها في زاوية محدودة الكلمات مسبقاً.
(2)
يعيش اليمن حالة حرب ضروس وتدخلات أجنبية عسكرية ومالية ودعوات انفصالية، ويبدو خاطفاً ومخطوفاً، وليست هذه الحالة اليمنية بعيدة عن أصابع عبثية، خليجية أحياناً، في مقدمها المبادرة الخليجية التي لم تحل الأزمة اليمنية من جذورها، ما أدى إلى تشعب هذه الأزمة، واشتعال حروب هنا وهناك، تارة بهدف تحجيم دور الإسلام السني في اليمن، وتارة أخرى للحد من نفوذ الإسلام الشيعي المؤيّد من إيران، كما تقول مصادر يمنية.. لا شك أن الأوضاع في اليمن ستؤثر على أمن الخليج العربي ومستقبله، ولا بد من جهودٍ خليجيةٍ جماعيةٍ تضامنيةٍ، تخرج الشعب اليمني الشقيق وحكومته من المأزق الذي يعيشانه. ولا يمكن أن تتم محاربة الإرهاب والقضاء عليه في اليمن، أو في أي مكان، بقوة السلاح، وإنما بالقضاء على أسباب الظاهرة، وفي مقدمها الفقر والأمية بكل معانيها، والظلم الاجتماعي، ويجب رد الحقوق إلى أصحابها، وتعويضهم عمّا خسروه، وتأكيد استقلالية القضاء، وبناء مؤسسات الدولة على أسس حضارية. على إخواننا في اليمن مجتمعين واجب يجب أداؤه من أجل بلدهم، هو الإيمان بأن الوحدة السبيل إلى بناء يمن جديد، يقوم على العدل والمساواة، وكذلك التفكير في مصلحة الشعب اليمني كله، وليس أفراد منه أو جماعات، وبذل الجهود من أجل تحسين صورة اليمن عملياً في وسائل الإعلام والمحافل الدولية، ما يتأتى بتسليم السلاح للدولة، وتحرير المدن من مظاهر حمل السلاح.
" لا يمكن أن تتم محاربة الإرهاب والقضاء عليه في اليمن، أو في أي مكان، بقوة السلاح، وإنما بالقضاء على أسباب الظاهرة، وفي مقدمها الفقر والأمية بكل معانيها، والظلم الاجتماعي، ويجب رد الحقوق إلى أصحابها، وتعويضهم عما خسروه، وتأكيد استقلالية القضاء، وبناء مؤسسات الدولة على أسس حضارية"
(3)
لم تعرف ليبيا الاستقرار منذ ثورتها في 17 فبراير/ شباط 2011.. تداخلت الأمور وتشعبت حرب قبلية وصراع على السلطة بين أطراف متعددة، كلها منقسمة، وكل فئة تحسب أنها أولى من غيرها، وأقدر على بناء دولة ليبيا، وإخراجها من دائرة الحرب الفئوية، وكل واحدة من هذه الفئات تتهم الفئات الأخرى بأنها تتلقى دعماً من أطراف خارجية. وبين هذا وذاك، خسرت ليبيا مكانتها الدولية، وخسر الشعب الليبي الشقيق سلامته واستقراره وأمنه وحريته.
الشعب الليبي عربي حر، لا يستحق كل هذا العذاب بعد ثورة 17 فبراير. في ليبيا منظمات إسلامية وأخرى "مدنية"، لا تقبل الحلول الوسط للمسألة الليبية، وهناك قوى لا تقر للإسلاميين بأي دور، وهذا خطأ كبير، ولا يجوز عزل أي ليبي، وحرمانه من المشاركة في بناء الدولة الليبية.
(4)
يمكن القول: إن الحركات والمنظمات الإسلامية لم تتعلم من التجارب السابقة لكل الحركات الدينية، ومصرة على أنها القادرة على إحداث تغيير حضاري في الوطن العربي. أذكّرها بأن الزمان ليس زمانها، وأن الأوضاع في العالم العربي لم تنضج بعد لقيام الدولة الإسلامية، أو لأن تحكم المنظمات الإسلامية.. التجربة الجزائرية الإسلامية، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، كادت أن تسيطر على الحكم والدولة، لا عن طريق الثورة، وإنما بصناديق الاقتراع، لكن الجيش الجزائري أحبط ذلك النجاح، ودخلت البلاد في دائرة الحرب الأهلية سنوات.
الإسلاميون في السودان، على الرغم من تسلمهم مقاليد السلطة، منذ ثمانينات القرن الماضي، لم يسمح بنجاحهم في إدارة الدولة، وهم يعانون من حروب أهلية، وانفصال وتنازع على السلطة، والبلاد تسير إلى تفكك وانهيار اقتصادي.. وفي غزة، نجحت حركة حماس بالفوز في الانتخابات، وتسلمت مقاليد الأمور في غزة، لكنها تعيش حالة حصار ظالم ومعاناة، ولن تسمح لها كل القوى بالاستمرار.
وهذه مصر العزيزة، فاز التيار الإسلامي في الانتخابات النيابية والرئاسية السابقة فيها من دون تزوير، ومنذ الساعة الأولى لتسلم أصحابه مقاليد الحكم، والمؤامرات تحبك لإطاحتهم، وهذا ما حدث.
(4)
أقول: إن الزمان ليس زمان قيام دولة إسلامية في الوطن العربي، وعلى التيارات الإسلامية في كل مكان أن تدرك ذلك، وتعود إلى مرحلة التنشئة والتثقيف، بعيداً عن التعصب أو التحريض أو العنف. وما يجري في سورية الحبيبة من معارك بين الإسلاميين، وما يفعله بعضهم ببعض من تمثيل بقتلاهم، يحرض المجتمع المحلي والعربي والدولي ضدهم، وينفره منهم، وكذلك ما يجري في ليبيا. إنها أمور محزنة، وكلها أعمال تدعو إلى الكراهية والنفور من هذه التيارات، فهل أنتم تعقلون؟
العربي الجديد
محمد صالح المسفر
ليس زمن حكم إسلامي 1230