في البدء كانت الكلمة.. فتشكلت منها اللغات وأنتجت الثـقافـات.. في مـطـلع الحيـاة كانت الكلمة.. ببكاء المولود وهو يدلف الى الوجود الإنساني لأول مرة.. وفي الولوج إلى رحاب دين الله الخالد كانت الكلمة.. نطقا بالشهادتين.. في نشر الحق او الباطل كانت الكلمة.. في الحرب والسلم كانت الأولوية للكلمة.. وفي الرحمة والمغفرة كانت الكلمة.. وفي الغضب والعذاب كانت الكلمة.. وفي المواقـف المتعددة والمختلفة كانت الكلمة هي المبتدأ والخبر.. وفي العلاقات الإنسانية كانت الكلمة هي مفتاحها الأوحد للتواصل بين البشر.
ولعظمة الكلمة في الوجود الإنساني كانت الكلمة سببا للسعادة او الشقاء.. فقال عنها رسول الرحمة "إن الرجل ليلقي بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تلقي به في نار جهنم سبعين خريفا، وان الرجل ليلقي بالكلمة من رضا الله.."
والعمل الصحفي عماده الكلمة.. والصحفيون هم صوت الأمة بلا ريب، لأنهم في أي مجتمع لسانه الناطق، ونافذته على العالم، وصورته في البوم الدنيا.. عبر الكلمة كمحور ثابت للعمل الصحفي ومطيته الوحيدة.
الصحفيون في بلادنا- رغم الصعاب- كانوا ومازالوا هم طليعة المنافحين عن الوطن.. بالكلمة الهادفة المعبرة عن هموم ومعاناة شعب ظل ردحا من الزمن يرسف في الأغلال.. إنهم مناضلون بالكلمة القوية والحرف المعبر الثاقب ينطلق من عقولهم عبر أقلامهم في وسائل إعلامهم كشهاب ثاقب.. يعرون به مظاهر الزيف ومكامن الداء ومواطن الفساد..
ويفضحون سلوكيات الظلمة والفاسدين، وتزلف المنافقين والمزمرين وحاملي مباخر الطاعة العمياء لناهبي ثروات الوطن و المواطن اليمني وسبب تعاسته.
"سلطة كانوا أم معارضة".. كان الصحفيون احد أهم أسباب اشتعال ثورات الربيع العربي وسببا لنجاحها.. نعم الصحفيون حملة لواء الكلمة وأرباب الحرف .. وخصوصا أصحاب الكلمة الصادقة المعبرة عن تطلعات وآمال السواد الأعظم مـن الناس.. وحين تكون الكلمة أمينة في الطرح، صادقة في القول، وهادفة إلى نصـرة قضـايا الأمـة بلا مواربة، يكون لها صدى السيل الهادر، وهذا ما كان عليه الصحفيون المناصرون لثورات الربيع العربي.. فآتى نضالهم أكله نصراً للشعوب المقهورة، واقتلاعاً لدكتاتوريات النظام العربي الموغل في مجاهل التاريخ..
أما حين تكون الكلمة ركيكة المعنى مجزأة الحرف ضعيفة المدلول, فإنها بالتأكيد لا تعبـر بالضرورة عن هموم وتطلعات الأمة قطعاً.. وهذا ما كان عليه صحفيو النظام العربي الذين تربوا على موائد الفساد والاستبداد المرتهنون للأنظمة القمعية الاستبدادية في مواجهة ثورات الربيع العربي فأسقطتهم الشعوب كما أسقطت أسيادهم وان كانت قوى الثورة المضادة تحاول إعادة لهم الحياة عبر مسلسل التآمر الإقليمي والدولي لوأد ثورات الربيع العربي.. ولكن التاريخ لا يعود القهقرى.
وصدق من قال:" ستظل الكلمة ركيكة المعنى مجزأة الحرف إذا لم تكن من اجل الشعب".
منصور بلعيدي
دور الكلمة في حياة الشعوب 1446