;
محسن قاسم الحرفي
محسن قاسم الحرفي

معركة النعال.. 1541

2014-05-16 18:56:52


فجأة انجذب لنوبة تفكير.. إنه لن يندم على شيء مثل ندمه على طفولته التي ودعها، أو أوشك على ذلك.. من يمنحه الفرح والسعادة والتفاؤل؟

ربما جاءت هذه الأسئلة ومرت على خاطره لأنه يدرك أن الكبار قد صاروا حبيسي الهموم والغموم والشقاوة الأبدية كأنما كتبت عليهم !

أما الأطفال فهم يمرحون ويسرحون ليس لهم تفكير إلا في اختراع المزيد من الألعاب الآسرة بمتعتها.. صحا من تفكيره ذلك، ومسح جبينه بإحدى يديه, وقد تعرّى من ملابسه التي تبللت عرقاً، وقذف بها في حوض الماء، ليغسلها قبل الإياب إلى المنزل؛ حتى لا يعرف والداه نوع العمل الذي أقدم عليه.. وضع يديه على خديه وأطلق لخياله العنان، ورمى ببصره إلى حوض الماء وهو يلتهم ملابسه المغبرة.. كان ذلك إثر لعبة قام بها مع رفاقه حيث قاموا بالطواف في أزقة القرية , وشوارعها التي تفتقد لأدنى مظهر لائق...يجمعون الأحذية الملقاة التي أبلاها الاستخدام وأصابها التلف.. يضعونها في أكياس.. ينطلقون إلى خارج القرية بعيداً عن مرأى ومسمع الكبار ..ما زالوا يحافظون على كرامتهم من التشوه والإهانة ولو من ذويهم .. عندها يقتسمون ما بحوزتهم من أحذية بالية .. يدعون أنها قنابل وذخيرة ستدعم معركتهم التي هم قادمون عليها..

يتوزعون بعد ذلك في مجموعتين وباتجاهين، وهنا تبدأ المعركة بالتراشق بالنعال فيما بينهم .. لكل واحد أن يتخيل معركة كهذه وما تخلفه من جرحى ومصابين تزيد من فضيلة اللعب ومتعته ، يطرب لها المنتصر ويضحك لها المشاهد بما يكاد يمزق أمعاءه ..

من الشروط على أي مشترك في المعركة الصبيانية، السرية التامة ، وأن يتحمل عواقبها مهما كلفه ذلك: سيلان دمه .. كدمات في رأسه وظهره، يجب أن يوهم أهله؛ فجروحه هذه نتيجة وقوع على الأرض ، المهم يجلب العذر ولو من العدم ..

كتمانهم لنوعية هذه اللعبة عن الآباء والأمهات؛ لمعرفتهم الجيدة أنها ستكون مثار استغراب وزجر، وربما العقوبة الصارمة من كل أب ..

وقبل هذا أو ذاك حفاظاً على سمعتهم التي لا يمكن التفريط بها ..

ما قيمة أحدهم وقد قذف على رأسه نعل أدماه؟!

تكمن الرغبة الصبيانية في اختيار أداة اللعبة هذه أنها تجعل من المهزوم مهاناً وإهانته بشئ مهان زيادة في الامتهان.

مثل هذا التفكير والموهبة الغريبة عند مخترعي المعركة ونوعية الذخيرة هل نستطيع الجزم بأنهم يتمتعون بموهبة ودراية؟! إن كانوا كذلك فما سبب فقدانهم لهذه المواهب العجيبة عندما يكبرون؟ أم هي وراثة الهموم من الآباء التي صاروا أسرى لها؟

لم يجد لأسئلته وقتئذ حلاً يشفي.. أصبحت هذه الذكريات طي النسيان لم يكن يتصور استعادتها يوماً ما . عندما كان عاكفاً أمام شاشة التلفاز يتابع أخبار العالم العربي ؛ لم يغب عن عينيه ذلكم المشهد الرهيب .. هو مشهد الحذاء ( الزيوشي) هكذا حلا له أن يسميه ، عند قيام منتظر الزيدي بقذف حذائه في وجه بوش، لا يستطيع أحد تصور صراخه وهرولته داخل البيت من غرفة إلى أخرى؛ يتراقص طرباً يتصور نفسه مازال طفلاً في معركة النعال التي جعل من نفسه المنظّر الأول وباذر البذرة الأولى لها.. ها هو اليوم الذي تدخل فيه الحذاء عالم السياسة وتودع عالم الطفولة كما ودعها هو الآخر.. لم يجد نفسه في اليوم الثاني إلا في المكان الذي كان يقيم فيه معاركه مع أصدقائه؛ دفعه الحنين والشوق إلى زيارته.. حاول جاهداً عله يعثر على حذاء في هذا المكان لتتم له استعادة الذكريات.. لكنه لم يظفر بشي فالسيول والزمن قد فعلا فعلتهما.. بعد عودته إلى ماضيه الطفولي ما زالت الأسئلة تتوالى عليه ؛ ليس آخرها : هل ما نعيشه اليوم هو تحديث لزمن كلاسيكي عشناه فيما مضى ؟!!

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد