تأبى الفطر السليمة أن تتبع هواها، أو أن ترضى بالدون والضلال.. وإن مسَّها طائف من الزيغ ساعة سرعان ما تفيق، مهتدية بنور بصيرتها، متذكرة أصلها العاقل الرشيد.
لقد عودنا ديننا الحنيف أن نكون أعزة، سلمًا لمن سالمنا، حربًا على من عادانا، مصالحنا هي ديننا وأوطاننا، نغلِّب العام علي الخاص والبعيد علي القريب، لا نخاف في الله لومة لائم، ولا نخشى الردى؛ إذ لكل أجل كتاب وكل شيء عند الله بمقدار، من ثم حُقّ لنا ألا نكون عبيدًا لأحد أو نقدس أحدًا، إنما ولاؤنا لله وحده، وطاعتنا لأولي الأمر من عباد الله الصالحين الطائعين العابدين العلماء، الذين يقولون: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان( [الحشر: 10].
أقول قولي هذا بمناسبة تهليل وتكبير السفهاء الأذلاء للقاتل السفاح، ووصفه بصفات هي صفات الملائكة الأطهار أو الأنبياء المرسلين.. رغم أن أقواله وسلوكه لا يرقيان به إلى درجة إنسان..
يصنع السفهاء الفراعنة بأيديهم، وعلى أعينهم، مضحين بكرامتهم الإنسانية، مفضلين الرق علي الحرية، وإذا سألت لماذا يفعلون هذا؟ ولماذا يهينون أنفسهم تلك الإهانات؟ قلت: لأن فطرهم ليست سوية؛ ولأن في دينهم وهنًا جعلهم شواذَّ في تفكيرهم، مذبذبين في أفعالهم، لا يدرون أين الحق وأين الباطل، فإذا ما زين لهم أهل الباطل باطلهم سحروا أعينهم واستقطبوهم إليهم، وجروهم إلى حيث معسكرهم المناوئ للفضيلة المعادي للحق والعدل.
فإذا ما سقطوا في هذا الجب، جب أهل الباطل، كان من السهل تخليهم عن إخلاص العبادة لله، الواحد الديان، الفرد الصمد، إلي عبادة عبد من خلق الله، فيذكرونه كما يذكرون الله أو أشد ذكرًا، ويدعون له، وينافحون عنه، ويضحون من أجله، ويطرحون عليه من صفات الكمال والجلال والمهابة ما لا يكون- كما ذكرت- إلا لملك أو نبي مرسل، فإذا ما شعر (الفرعون الصغير) بتلك (التضحيات) من جانب هؤلاء الغثاء انشرح صدره، وانتشي انتشاء المنتصر وشرع في طلب المزيد، ولم لا والعبيد رهن إشارته، والمخبولون رفعوه وأطروه كما أطرت النصاري عيسي ابن مريم؟!
معذور إذًا (الفرعون الصغير).. إنه لم يكن يومًا يحلم بهذه المكانة أو تلك القداسة، وإنما وجد من يدفعه إليها دفعًا.. إنه يرى نفسه أقل من غيره بكثير، لدرجة أنه لا يثق في ذاته لقلة مواهبه وإمكاناته، ولصراع نفسي داخلي يتلبسه منذ صغره.. لكن ماذا يفعل أمام تلك الأصوات الهادرة التي جعلت منه "دكرًا"، و"منقذًا" و"أسدًا"، ودعا البطارقة للثدي الذي أرضعه وللبطن الذي حمله، وانجذبت له نساء العبيد، ووهبت كثيرات منهن أنفسهن له من دون الناس؛ لعظمته وعبقريته وانفراده علي الخلق أجمعين!!.
عندما يسترد الجاهل وعيه، وعندما يعود إلي رشده، سيفاجأ بما كان عليه من ضلال وخديعة، وكيف أنه استصغر ذاته إلي درجة تجعله بلا عقل أو ضمير، فالعاقل لا يجعل من الإنسان إلهًا، ولا يهبط بنفسه إلي أودية المداهنة والنفاق والسير في ركاب الدهماء الطائشين، ولا يقلد، ولا يفعل الحرام الذي يفعله الآباء والأجداد، وإنما يجهر بالحق إن علمه، ويدمغ الباطل إن صادفه، ويفخر بكونه في حزب الله وليس في حزب الشيطان الآمر بالمنكر الناهي عن المعروف.
عامر شماخ
السفهاء يصنعون أصنامهم بأيديهم!! 1090