تتعدد مناهج التفسير ومنها التفسير التجزيئي والتفسير الموضوعي ومنه التفسير بالسياق كذلك وجد منهج تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة أو الاعتماد على أسباب النزول أو الترجمة اللغوية لدلالات الكلمات والآيات وغيرها من مناهج التفسير..
وهو تراث وثروة معرفية كان نتيجة لجهد بذل من المتقدمين أثمر ثروة معرفية وسهلت الطريق للمتأخرين إلا أن كل منهج من مناهج التفسير السابقة قد أثمر نتائج خالفت المنهج الأخر فتعددت الرؤى في دلالات كلمات وآيات القرآن حتى زعموا "أن القرآن حمال أوجه" فروج الشيعة بوجوب وجود إمام يبين للناس ما اختلفوا فيه وجاءت الظاهرية تأخذ بظاهر النص..
وقالت الباطنية أن للقرآن دلالة ظاهرة وباطنة والأخيرة لا يعلمها إلا الأئمة المصطفين المعصومين ثم جاءت مدارس تجديدية قارنت بين التفاسير المشهورة ورجحت أو أدلت بدلوها وجاء آخرون اعتمدوا في استدلالهم على الانتقاء وبتر الآيات من سياقها فكان الانقسام في الرؤى فالانقسام المذهبي وأياً من هذه المناهج لم يهدينا إلى مقاصد القرآن التي تحقق خلود تشريعاته وعالميتها وشمولها.
قال تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24
فمن المسلمات أن القرآن منهج إلهي يكمل بعضه بعضاً ورتب ترتيباً إلهياً.. قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ "16" إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ "17" فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ "18" ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ "19"القيامة
ولذلك مقصد في توضيح دلالاته، من أول حرف إلى أخر آية ترتيب يؤدي إلى توضيح الدلالة بتكامل الكلمات في سياق الآية.. وتتضح الدلالة الموضوعية بتكامل الآيات في السياق الموضوعي وفي نطاق السورة... وتتكامل السور لبيان الدلالات والمقاصد الكلية في نطاق القرآن الكريم كما تتكامل الآيات والمواضيع على امتداد القرآن لبيان وتبيين الأصول والأحكام والسنن والمقاصد ولذلك كله... والإيمان بذلك المنهج هو إيمان بوعد الرحمن ببيان القرآن، قال تعالى:" ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" "19"القيامة
فإننا نرى الأخذ بالتفسير التكاملي الموضوعي الذي يعطي دلالة كليه يتكامل القرآن في القطع بها لأن ذلك المنهج سيضمن حيوية الهدي القرآني وسيؤدي إلى تحديد المفاهيم للكلمات والأحكام والأصول والمقاصد فيجتث الاختلاف... ليتوافق مع الحاضر فيقوم انحرافاته ويلبي احتياجاته وتنميته بحيث يحقق سنة الإستخلاف لهذه الأمة وهي الرقي لتصبح القدوة والأنموذج..
فها قد رأينا أن الله جلة قدرته جمع القرآن على النسق الذي هو به وقرأه الروح الآمين على الرسول الكريم على النحو الذي ساروا عليه وبهذا المنهج يبين القرآن دلالات الكلمات والأحكام والمقاصد, ويحقق لنا قرأته الهداية ...
قال تعالى {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}الإسراء9
وهذا يقتضي أن يكون قرآن الله معيار ثابت يرجع إليه العقل البشري بمفاهيمه كلها؛ فيعرضها على هذا الميزان الثابت، وهناك يعرف صحيحها من خطئها .. ولهذا يجب الإيمان بهذه القاعدة الأساسية لفهم وتطبيق دين الله – وهذا ما سيحصننا من أخطار التناقض والتأرجح والدوران المستمر بين المفاهيم البشرية لآي القرآن الكريم.
وهو الذي سيقينا من شر الشرك في الإتباع.
و لا تتأتى الهداية للتي هي أقوم بالأخذ بمنهج واحد والثبات عليه وذلك للآتي :-
إن المفسر التجزيئي دوره في التفسير على الأغلب سلبي فهو يبدأ أولاً بتناول النص القرآني المحدد آية مثلا أو مقطعاً قرآنيا خارج البناء الموضوعي "موضوعه" وخارج الدلالة الكلية لذات الموضوع على امتداد القرآن، ويحاول أن يحدد المدلول القرآني على ضوء ما يسعفه به اللفظ مع ما يتاح له من القرائن المتصلة والمنفصلة، فعملية تفسير نص معين تجعل دور النص فيها دور المتحدث بجملة خارج نطاق سياقها الموضوعي ودور المفسر هو الإصغاء والتفهم للمعنى الذي تدل عليه الكلمات وهذا المنهج يستحيل معه معرفة الدلالة الحقيقية للآية والموضوع القرآني ..
فلا يمكن فهم حقيقة دلالة الكلمة أو الآية إلا من خلال السياق "البناء الموضوعي" ثم من خلال التكامل الدلالي لآي القرآن الكريم. على امتداد القرآن في ذات الموضوع، وهذا ما أطلاقنا عليه الوحدة الموضوعية والتكاملية، فيصبح دور المتدبر لآي القرآن أن يستمع لكن بذهن مضيء، بفكر صاف، بروح محيطة بآداب اللغة وأساليبها، في التعبير بمثل هذه الروح، بمثل هذه الذهنية وبمثل هذا الفكر يجلس بين يدي القرآن ليستمع لدلالة الآية في إطار الوحدة الموضوعية والوحدة التكاملية فالمفسر بهذا التدبر سيلتقط مدلول اللفظ من خلال موضوعه كدلالة أولية ثم يمضي ليكتشف الدلالة والمقصد على امتداد القرآن فتتكامل آيات القرآن لتبين الدلالة أكثر فأكثر ذلك لأن القرآن يتوحد عضوياً وموضوعياً، وهذا يؤدي إلى فهم مقصد الآية القرآنية من خلال الوحدة الموضوعية للسورة وللقرآن.
كذلك فإن المفسر الذي يبدأ عمله من واقع الحياة ثم يعرضه على النص القرآني "إيجاد حكم القرآن في ذلك الموضوع "، فهو يركز نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل وما قدمه الفكر الإنساني من حلول، وما طرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ومن نقاط فراغ، ثم يعرضه على كل آيات القرآن في ذات الموضوع وفقاً للمنهج السابق.
وهذا تفسير لا يقوم على الانتقاء من النص القرآني ويعمل بالوحدة التكاملية الموضوعية للقرآن.
أحمد محمد الحاضري
بناء التدين الشعبي على التوحد الموضوعي التكاملي 1578