إن حسن اليقين بالله، والثقة فيه والاستناد إليه، هي مما جعل الإخوان يبثون الأمل فيمن حولهم..
وهذا اليقين وتلك الثقة مستمدان من رصيد الإسلام الضخم الذي لا تملكه أي دعوة أخري وافدة من هنا أو هناك، فوراء الإسلام قوة الجماهير الغفيرة المؤمنة بربها وقرآنها ومحمدها، المتطلعة إلى من يقودها باسم الله.. ومستمدان كذلك من قوة المنهج الذي تدعو إليه، وتتمثل هذه القوة في وضوح الإسلام وشموله وعمقه واتزانه وتأثيره..
يقول الإمام البنا في ذلك: «إنّ نهضات الأمم جميعها إنما بدأت على حال من الضعف يخيل للناظر إليها أن وصولها إلى ما تبتغي ضرب من المحال. ومع هذا الخيال فقد حدثنا التاريخ أن الصبر والثبات والحكمة والأناة وصلت بهذه النهضات ضعيفة النشأة قليلة الوسائل إلى ذروة ما يرجو القائمون بها من توفيق ونجاح.
ومن ذا الذي كان يصدِّق أن الجزيرة العربية وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة تنبت النور والعرفان، وتسيطر بنفوذ أبنائها الروحي والسياسي على أعظم دول العالم؟ ومن ذا الذي كان يظن أن أبا بكر وهو ذلك القلب الرقيق اللين، وقد انتقض الناس عليه وحار أنصاره في أمرهم، يستطيع أن يخرج في يوم واحد أحد عشر جيشًا تقمع العصاة وتقيم المعوج؛ وتؤدب الطاغي وتنتقم من المرتدين، وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين؟
وفي رسالته إلى الشباب يذكر أهداف الدعوة الكبرى فردية واجتماعية، محلية وعالمية، ثم يقول:
"يا شباب.. لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المنهاج، فلا تهنوا وتضعفوا، وضعوا نصب أعينكم قوله تعالى: (الَّذٌينّ قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) (آل عمران: 173).
سنربي أنفسنا ليكون منا الرجل المسلم، وسنربي بيوتنا ليكون منها البيت المسلم، وسنربي شعبنا ليكون منه الشعب المسلم، وستكون من بين هذا الشعب الحكومة المسلمة.. وسنسير بخطوات ثابتة إلى تمام الشوط، وإلى الهدف الذي وضعناه لأنفسنا، وسنصل بإذن الله ومعونته: {$ّيأًبّي پلَّهٍ إلا أّن يتٌمَّ نٍورّهٍ $ّلّوً كّرٌهّ پًكّافٌرٍونّ} [التوبة: 32]..
وقد أعددنا لذلك إيمانًا لا يتزعزع، وعملاً لا يتوقف، وثقة بالله لا تضعف، وأرواحًا أسعد أيامها يوم تلقي الله شهيدة في سبيل الله.
لقد كان من أثر التربية الإيمانية لأعضاء الجماعة، على معاني الربانية والأمل في نصر الله ونبذ اليأس والقنوط -أن صار نفَسُهُم طويلاً رغم ما لاقوه من أذي، وصاروا من المبشرين بتغلّب الصحوة وانتصار الإسلام.. وانظروا -إن شئتم- إلى تلك المواقف..
- يحكي د. أحمد العسال، أن حسن الهضيبي قيدوه في السجن الحربي، ووضعوا معه بضعة كلاب.. تأكل معه، وتنام معه، وتشرب معه، وتقضي حاجاتها معه! فأصيبت الكلاب بالشلل وأصبحت لا تقوي على المشي على أرجلها الخلفية بل تجر نصفها الخلفي جراً.. في حين أن الإمام حسن الهضيبي الذي كان قد تجاوز السبعين آنذاك (عام 1965) لا يشكو ولا يتألم رغم أن رائحة الكلاب كانت نتنة بصورة مزعجة.. فكان -رحمه الله- لا تبطره النعمة، ولا يهزه البلاء، وكان دائم الدعاء {تّوّفَّنٌي مٍسًلٌمْا $ّأّلًحٌقًنٌي بٌالصَّالٌحٌينّ} [يوسف: 101].
- بلغ الإمام الهضيبي رأي أحد الإخوان الذي اقترح أن يميلوا على الحراس ويقتلوهم ويخرجوا من السجن الحربي حتى يتخلصوا من هذا الجحيم؛ في مغامرة مجنونة فرفض وقال: الذي يقوم بهذا العمل لا يكون من الإخوان.
إن (ظُفر) أي واحـد منكـم أغـلـى مــن رقـبـة عبد الناصر نفسه. حذاري أن يعطي أي واحد منكم الفرصة لهؤلاء ليتخذوها فرصة للقضاء على هذه الفئة المؤمنة، احرصوا على أنفسكم.. واصبروا وصابروا حتى يأتي الله بأمره.
- الأخ إبراهيم الطيب.. أحد الشهداء الستة الذين أعدمهم الطاغية عبد الناصر إثر محاولة اغتياله المزعومة بالمنشية.. وهو نموذج فذ للرجولة، والصلابة، والشجاعة، والصبر، والثبات، ورباطة الجأش.. قالت عنه الصحافة المصرية وقت محاكمته: «إنه أجهد الأمن في البحث عنه، وأجهد المحققين في أخذ أقواله، وأجهد المحكمة والجمهور بردوده وإصراره وثباته..
سُئل:
- ماذا فعلوا بك يا إبراهيم؟!
قال:
- عذبونا عذاباً لم يذقه بشر.
قيل له:
- وما كان شأنه- أي التعذيب- قبِلك؟!
أجاب:
- شأن أبي الأنبياء إذ ألقي به في النار، كان بردًا وسلامًا.
عامر شماخ
ربانية الإخوان تمنع انكسار إرادتهم 1058