قبائل اليمن مكون عظيم للشعب اليمني, أصل المجد وباني الحضارات, فكان أقيال وملوك سبأ وحمير لا حصر لعظيم مجدهم وأمجاد عظمائهم، وقد أفصح التاريخ بدقة عن أمجاد قبائل اليمن في بناء أقدم الحضارات الإنسانية والذي ظل ذكرها على مر الزمان خالداً، فلهم في المجد صولات وجولات حدثتنا السماء وكتب التاريخ والنقش على الحجر عن أمجاد قبائل اليمن واعتلائهم عرش معين و سبأ وحمير فملكوا العرب والعجم.
إنها قبائل اليمن, أنجد العرب والسابقون إلى مجد الرب ونصرة الأنبياء، ذكرهم الله وأشاد بهم رسوله "ص" وقيلت في قبائل اليمن المدائح تلو المدائح, كتب بهم وعنهم التاريخ، فوصل مجدهم حداً حسبه الذين لا يعلمون أساطير، فدونت الجبال أمجاد حضارتهم نقشاً على الحجر، عرف منها النذر اليسير، فكانوا السابقين إلى الإسلام فتبوأتم الدار والإيمان، وثنى عليهم المصطفى عظيم الثناء وأجزله، فحسبكم مدح الرسول العدناني، فإنه خصّكم بعلم الحكمة في المثاني، أفنسيتم نصرة قبائل اليمن للإسلام بالمال وبالفرسان، ونشر نوره بالبلدان، فما أوفى في بيان أمجادكم وجليل قدركم آكليل الهمداني، وما سجل من أعلامهم وعلمائهم أصحاب تخاريج الرجال وتراجم الأعلام، إلا النذر اليسير فلا يحيط بهم ولا بنتاجهم كتاب ولا مكتبة.
أليس ينسب إليكم، شيخ مشايخ الدين "عامر بن شرحبيل الشعبي الهمداني" ، وشيخ أبو حنيفة "سفيان الثوري"، وأبو موسى الأشعري وقيس بن نمط الهمداني وأبو العلاء الحضرمي ومعد بن كرب الزبيدي، وشاعركم "الأعشى الهمداني ،وقاضي قضاة دمشق عبد الجبار الخولاني, وإمام أئمة الحديث أبو إدريس الخولاني "ومنهم فاتح الأندلس موسى بن نصير وأخر الفاتحين لأوروبا السمح بن مالك الخولاني والخليفة محمد بن عبد الرحمن الأشعث الكندي, وآل المهلب القادة الفاتحين وأعلم علماء الدنيا جابر بن حيان الأزدي وعالم الفلك ابن باجه محمد بن يحيى التجيبي، وعلم علماء الفلسفة والعلوم الطبيعية يعقوب بن إسحاق ابن الصباح الكندي.. وغيرهم الكثير الكثير..
وفاض عدد أبناء قبائل اليمن من العلماء في مختلف ضروب العلم والرواة الثقات وأئمة الحديث ومشائخ القرآن.
إنهم الذين كانوا للعرب قادة، ملكوا أهل الأرض طوعًا، وجبروهم كرها، حتى دانت لهم الدنيا بما فيها، وكانوا الملوك والأقيال وكانوا السابقون إلى توحيد الله في مختلف الأزمان فهم وحدهم الذين لم يخضعوا لأمبراطورية الطغيان، فلما تفرقوا خفت نجمهم وبقيت بصائرهم سوية حتى علموا بمبعث خير البرية، فتحروا أمره واستقبلوه بالفضل والتحية، فعززوه أيما تعزيز، وشمروا حوله أيما تشمير، وشهروا دونه السيوف، وجهزوا الألوف بعد الألوف، وجادوا بالأموال والنفوس، فصدوا عدوان الكفار يوم بدر وأُحد والخندق، وضربوا الكفار حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، فأصبح من اسلموا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم يحملون ذلك عليهم حقدا، ويستعلون عليهم عمدا، ويجعلون أباطيل التأويل والمرويات مذهبا، إلا أن صدق إسلامهم وتمثلهم للإيمان جعلهم يحافظون على سبقهم في نشر دين الله فاتحين ودعاة.. فكانت منهم وبهم الحضارة الإسلامية.
وكانت قبائل اليمن وما زالت هي القوة المؤثرة في مسيرة الأحداث في اليمن مختلف العصور ،لسبق أبناءها وإقدامهم في مقارعة الظلم ودحر الغزاة فجعلوا من اليمن مقبرة للغزاة، إلى أن كانت محنت قبائل اليمن الكبرى حين ابتليت باستيطان أدعياء الإمامة في همدان مستغلين آثار نصرة قبائل اليمن لعلي رضي الله عنه في الفتنة الكبرى، وما لقيته من عنت الأمويين وإهمال العباسيين فشكل مجتمع ألا دولة بقبائل اليمن بيئة مناسبة لأدعياء الإمامة فانطلقوا منها وبها ولم يكن لهم ذلك إلا بعد تأجيج تنافس الزعامات القبلية داخلها حتى شكلوا منها أحلاف متنافسة هم حاشد وبكيل ومذحج، حتى أفلحوا أن يجعلوا بأسهم بينهم شديد، فخفت دورهم ثم أنبرى من أعاد لهم شيئاً من أمجادهم فكانت الدولة الصليحية من قبائل اليمن التي استمرت لأكثر من 90 عاماً على امتداد اليمن الطبيعي وامتداد لها كانت دولة بني زريع في عدن والحاتميين في صنعاء، ثم جاء منها علي بن مهدي الرعيني ودولة الطاهريين..
فلما أفلت تلك الدول ترسخت نظرية الإمامة الهادوية كثقافة مجتمعية وتدين شعبي فاعمل فيهم ديمومة صراع أدعياء الإمامة الجهل والفرقة والانقسام لأكثر من ألف عام، بدفع قبيلة على أخرى فإذا أنهكت تلك القبائل وكان لهم الأمر دفعوا أبناء القبائل اليمنية لبسط نفوذهم في بقية مناطق اليمن، حتى امتهنت قبائل اليمن القتل والقتال ومن هنا كانت عظيم محنة اليمن.
أحمد محمد الحاضري
قبائل اليمن 1664