إن كل اليمنيين عموماً والنخب خصوصاً الكل يحتاج إلى تغيير أطر التفكير والنظر وفقاً لقواعد جديدة ومغايرة لما تعودنا عليه أن الأصل العمل بمنطق البناء لا بعقلية الإقصاء، بحيث لا تطيح الثورة بالمكتسبات والمنجزات، بل تحتفظ بها وتبني عليها.. وإذا كان من مهامها محاربة المساوئ والمظالم والمفاسد للنظام السابق، فلا يعني ذلك استبعاد المختلف أو استعداء الآخر، فليس كل من لم يقف مع الثورة هو بالضرورة ضدها، فالأجدى الاهتمام باستثمار الإمكانات وحشد الطاقات للانخراط في صيرورة العمل المشترك، وقيادة المصير المشترك، وكذلك كسر ثقافة منطق الاحتكار والعمل بمنطق الشراكة والمداولة، فلا أحد يحتكر الثورة، كما لا أحد يقبض على الحقيقة أن مقتل المشاريع هو احتكار الشعارات والقضايا والقيم، أو احتكار الأسماء والنصوص والكتب التي هي ملك البشرية جمعاء المهم كيفية استثمارها، وكذلك الموقف النقدي تجاه الذات, فلابد من ترسيخ ثقافة ومبدأ المراقبة والمحاسبة والمراجعة، ولو أدى ذلك إلى القسوة على الذات فالآفة الكبرى في كل عمل مشترك أو شأن عمومي هو عشق الذات وعبادة الأشخاص.
وهنا علينا أن نتجنب ثلاث آفات لغالب المثقفين.
الأولى: النرجسية النخبوية وهذه تزين للمثقفين فالبعض يشعر بأنه عقل الأمة النيرة وضمائرها الحية, مما يجعلهم يدعون احتكار الفكر والوعي والعلم والفضيلة، لكي يمارسوا احتقار الناس العاملين في بقية الحقول والقطاعات مع أن هؤلاء هم ذوات مفكرة، ولهم عقولهم التي قد يستخدمونها بصورة حية، خلاقة، فعالة، أكثر من أصحاب المشاريع الثقافية الرامية إلى تغيير الواقع، والدليل ما قدمه الشباب الذين كانوا مستبعدين من حسابات النخب الثقافية, فإذا بهم يحققون بثوراتهم ما عجزت هذه النخب عن تحقيقه طوال عقود.
الثانية: حب التفرد وتتجسد في إرادة الاستبعاد والإقصاء، للنظراء والأنداد وهكذا يرفع بعض المثقفين شعار الديمقراطية أو التعددية، على صعيد المنطوق والخطاب، ولكنهم على صعيد الممارسة أبعد ما يكونون عما يصرحون به، بل هم أعداء ما يطرحون، لأنهم يتعاملون مع المختلف والآخر بلغة الاقصاء، فيما المسألة تحتاج إلى إتقان لغة الاعتراف والمداولة.. بهذا يثبت المثقفون بأنهم ضد حق الاختلاف وممارسة حرية الرأي وبعكس ما يدعون.
ثالثاً: الانتهاك الأدبي. البعض يتعامل مع المنتجات الثقافية والأعمال الفكرية وكأنها لا تخضع للأصول والقوانين، أي لا يعتبرونها حقوقا أو ملكية، يجدر احترامها, وهؤلاء البعض يطالبون بالمساواة ودولة المؤسسات واحترام الحقوق، وإلا كيف نفهم هذا الفساد المستشري في مجتمعاتنا العربية..
والله الموفق
محمد سيف عبدالله
آفات المثقفين واستثمار الثورة 957