لاشك أن قيام الدولة بمواجهة أي جماعة تقتات على الأمة وتفرض تصورها بقوة الحديد والنار، وتزعزع الأمن والاستقرار وتنشر الرعب، وتوقف عجلة البناء التنموي وتسعى للسيطرة على البلاد تحت تصورها بالعنف، بعيداً عن الاختيار وتبتعد عن الحوار، لهو من أهم واجب الدولة ومن أعظم واجبات وقوف الشعب معها بكل فئاته، حتى تعود هذه الجماعات للحق وتستسلم له وتفيء لأمر الله وتسلم البلاد من وسائل العنف..
ولكن الإرهاب يجب أن يسوده مفهوماً منطقياً، ونحن دائماً وعلى ضوء مفهومنا الشرعي نطلق على مثل هذا التوجهات الغلو في التصور الفكري والسياسي، والحكم على الآخرين بغير دليل عقلي ولا نقلي، والاستعلاء على المجتمع بمفاهيم خارج النص القرآني والنبوي، والغلو أو ما يطلق عليه في عصرنا بالتطرف أو الإرهاب بكل أشكاله، أكبر خطر يهدد الحوار بين أبناء الوطن الواحد، ويقطع الطريق أمام أي عمل جماعي للتواصل بين الأفراد والمجتمعات والأمم..
ومن علامة التطرف أن يعتقد صاحبه أنه على الحق المطلق، وأن الآخر على الباطل المطلق، فكيف يكون الحوار مع هذا؟ مع أن القرآن عندما دعا إلى الحوار حطم هذه النظرة، فقال جل وعلا: ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) والمتطرفون باسم الإسلام، وباسم العلمانية واللبرالية الذين يعادون الدين, سببها عدم اقتناع الطرفين بحوار هادف يبحث عن الحق ويعمل لصالح الأوطان والشعوب، لاعتقاد كل من الطرفين المتطرفين أنهما على الحق المطلق..
ومن هنا فحملة الدولة على هؤلاء عسكرياً له ما يبرره شرعاً وقانوناً بعد أن وصل بهم تطرفهم إلى ارتكاب مجازر بشعة جعلت البلاد تعيش بين الأمم كشعب لا هوية له ولا استقرار والتطرف والغلو وإن شئت قل الإرهاب داء يجب استئصاله بحكمة وتعاون، ومن علامة التطرف، أن يحضر المتطرفون للحوار مع الطرف الآخر أو يمتنعون من الحضور أصلاً، على أن يرتب الحوار معهم على اقتناعه فقط بما عندهم من آراء، فهي نصوص مقدسة لا يجوز لأحد الاعتراض عليها، لأنهم قد حددوا أنهم وحدهم على الحق المطلق..
فإذا طرح الطرف الآخر رأياً كان مرفوضاً، بل عليه أن يسلم لما عندهم تسليماً، وإن كان هو الصواب بل يصبح الطرف الآخر عندهم عدواً، أنظر ماذا يحدث لمؤسسات الدولة ورجال الأمن ورجال القوات المسلحة من استحلال للدماء والتفجير والتدمير لمصالح الوطن، وانظر ماذا يحدث من المتطرفين غير القاعدة ممن حضروا الحوار على أن يقنعوا أطراف الحوار أن الحكم لهم بأمر من الله، فكيف تتحاور مع هذا المتطرف إذا لم يسمع رأيك ويلجأ إلى استعمال السلاح ليفرض رأيه الذي زرعه في تصوره للحكم، وليس مستعداً أن يسمع أن الحكم تشريعاً لله، وتنفيذاً يقوم به من اختارته الأمة بالاقتراع الحر المباشر، متى توفرت فيه الكفاءة الشرعية والقانونية..
وما هكذا علمنا إسلامنا أسلوب الحوار ولا طلب منا سلوك هذا الغلو المفرط والإرهاب الخارج عن قواعد الشرع، بل علمنا أن نسمع رأي الطرف الآخر، ثم نعرض ما عندنا، ويتواصل الحوار للوصول إلى الحق الذي تذعن له العقول ويتوافق مع الفطرة، ويحقق المصلحة العليا ولو كان مع مخالف في الدين فضلاً عمن يزعم أنه من أهله، فهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام ترسل إليه قريش عتبة بن ربيعة لمحاورته وعرض عليه ما عندها، ويأتي عتبة، ويسمع منه رسول الله صلى عليه وسلم كل ما لديه عن مجموعته التي يمثلها، فلما انتهى قال له صلى الله عليه وسلم: هل انتهيت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: اسمع فاسمعه ما عنده، فقام الرجل متأثراً بما سمع، وود من قومه لو يتركوا المواجهة معه، لكن القوم كان يقودهم متطرفون لا يرون إلا رأيهم.
د. عبد الله بجاش الحميري
الحرب على الإرهاب 1070