نحن البلد الوحيد في الكون الذي لا تحكي فيه الشموع حديث السكون ورومانسية الهائمين بل إن للشموع في بلادنا روايات تقول الكثير وحكايات تروي كيف أن الحياة في واقعنا خافتة الوميض وأشبه بنفق مظلم وكيف أننا في حالة تآلف وتوأمة مع فتيل يذبل في أرواحنا ما بين فينة وأخرى.
الشموع في اليمن تحكي لنا روايات الغصص المتوالية للمُطفئة آمالهم وغصص وطن يذل يوما بعد آخر وكلما حاول الخروج من متاهة غرف في ألف متاهة غيرها.
الشموع تسرد لنا كيف أننا نشبهها حين تذوب في مراحل انطفاءاتها الأخيرة فيذوب معها كل أمل لنا في الحاضر والمستقبل.
شموع اليمن- في ترجمتها الحرفية- تبدد حولنا ظلمة نخشاها, لكن ماذا عن عتمة تغشانا حتى أخمص المعاناة وماذا عن فتيل صبْرٍ قد ذاب منذ زمن وما بقي منه إلا الرماد.
للشموع قصة أنين طويلة في بلادنا, هي قصة وطن منذ 52 سنة وحتى اللحظة ينادي للخروج من الظلام إلى النور لكن النتيجة أننا صرنا نتسابق على شراء الفانوس والنوارة والشمعة وبذلك نكون لا علاقة لنا بألفية ثالثة ولا بقرن 21 ولا علاقة لنا بدول صارت عندها الكهرباء شيئاً بسيطاً وفي متناول الجميع وعندنا مازالت معجزة مستحيلة لم تستطع دولتنا الكريمة- بكامل عتادها وطاقمها الأبي- أن يوصلوها لنا ولمدن ولقرى مازالت تتعامل مع الظلام كشريك رسمي وونيس أبدي وبالتالي اكتفينا مغصوبين بنور الشمعة فقط.
شموعنا تحكي الكثير ومن لا يعرف عن وطننا شئياً فليصغي بتعجب مفرط لحديثها وسيستنتج منها مآسي هذا الشعب السخي في صبره حد السذاجة, سيعرف منها الكم والكيف لإنجازاتنا الحقيقية وليست التي على ورق السلطة وفي جمهورية التلفزيون.. سيعرف من ضوئها الباهت _الشمعة _ حجم مشاريعنا التحديثية ولأي مدى وصلتْ.. وسيعرف أن عجلة تطورنا تتقهقر كل ثانية تنازليا إلى الوراء .
أضواء الشموع تحكي قصة تناقضات هذا البلد النازف, فعلى الرغم من وجود ثروات من النفط والغاز إلا أن بنيته التحتية خاوية البنيات والخدمات الأساسية ميتة مع مرتبة الشرف والمواطن يتوسل أدنى مقومات المواطنة, فلا يجدها حتى أصبح الوطن في عينيه أضيق من خرم إبرة ولا سبيل لديه إلا الانتحار أو الكفر بوطن لم يعد صالحا للعيش أو التعايش إلا مع البؤس والحرمان والقهر, فكيف يطالبون شعباً هكذا حاله وأحواله أن يكون شديد الولاء والوطنية وهناك من يقتلون فيه ما تبقى له من وطنية ذابلة ويتحمل على روحه المزهقة كل أخطاء السياسة وكل المصائب تقع على رأسه, أما المتسببون فلا خوف عليه ولا هم يحزنون.. هو اليأس بداخلنا يتشعب كنبتة خبيثة يسقيها ويزيدها تشعبا أولي الأمر فينا والمسئولين عن رقابنا الموءودة.
حياتنا على ضوء الشموع تبرهن أننا مازلنا نرتكن على موروث لا يبلى من الجهل والفقر والجوع والمرض وأن ما يقال عننا أننا قد تعدينا حاجز التخلف ما هو إلا دعابة سخيفة لم تعد تؤثر فينا أبدا.. فسبحان من وضع سر هذا الوطن النازف في أضعف شمعة..
سمية الفقيه
اليمن و حديث الشموع !! 1289