بعد أكثر من ثلاث وثلاثين سنة، أدرك شعبنا اليمني أن ثورة سبتمبر استولى عليها و سرقها عساكر الإمام في شمال اليمن، ولم يغيروا غير النشيد الوطني، وظلوا يمارسون الاستبداد والظلم أشد من أسيادهم الأئمة الذين ثار شعبنا عليهم، وأصبح الإمام أئمة كثر، في كل محافظة إمام ومديرية إمام، وكل مدير أمن إمام، لا يطبق النظام ولا القانون ولا يعرف دستوراً ولا يقدس قضاء، بل جرد القضاء من استقلاله ومعانيه العلمية، وأصبح تابعاً للعسكر..
وفي المحافظات الجنوبية سلم المستعمر البريطاني الحكم لجنوده الذين كانوا يعملون بأجر عنده فهم مرتزقة عنده، رباهم على عينه، فأتوا بمستعمر أشد جرماً من بريطانيا وأصبحوا ذيولاً لجهات أجنبية لأنهم لم يعرفوا ريح الحرية، فلم يستطيعوا العيش دون تبعية يتنفسونها وواجه شعبنا في إقليمه الجنوبي عنتاً شديداً وتسلطاً مستبداً، وتخلفاً فاق التصور إلى درجة أن طرق المواصلات ظلت طول فترة حكم عسكر المحتل البريطاني كما هي لم يزيدوا عليها متراً واحداً، وقامت الوحدة فتنفس شعبنا الصعداء ورجاً أن تهب رياح التغيير لإزالة مخلفات الإمامة ومرتزقة الاستعمار ويسار بهم لمزبلة التاريخ..
بيد أن عساكر الإمام وعساكر المستعمر أوقدوا ناراً وحاولوا أن يعود كل عسكري لميدان حكمه قبل الوحدة، لكن شعبنا هزم تلك المحاولة وعمل كله على بقاء الوحدة وطرد فريقاً من عساكر المستعمر وسيطر عساكر الإمام على الوحدة، وقادوا البلاد للهاوية بعقولهم المتخلفة التي رضعت الاستبداد والأنانية والتفرد بكل شيء، وماسوا السلب والنهب لكل مقدرات الأمة، فقام شعبنا بثورته ثورة فبراير ضمن ثورات الربيع العربي بهدف التغيير والخروج من سيطرة العسكر وتسليم القيادة لجيل الثورة المدني، لكن المخابرات الدولية والمرتزقة المحلية والحكم العسكري العميق، وتهديد مصالح أعداء الوطن تجمعت بعد أن دقوا ناقوس الخطر، بعد أن رأوا شعبنا خرج هائجاً ثائراً بكل فئاته، رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، وعملت تلك الجهات بكل الوسائل لتمنع الثورة من الانتصار وتحقيق أهدافها، وخلقوا مشاكل عدة منها..
- تقوية جماعات لها أهداف طائفية ومناطقية، حيث دعمت وسمح لها أن تلعب على كل الحبال تحاور وتهاجم بالسلاح الوطن بحرب دامية.
- تقوية قيادات كانت متربعة على العروش اليمنية بفتح لها جيوشاً إعلامية تمارس فيها حرباً إعلامية وهي متعاونة مع الطوائف المسلحة واستطاعت تلك الجهات شراء ذمم مشايخ الارتزاق في القبائل لتفح أبواب البلاد للمحاربين وعمل الإعلام الزائف على تضليل الشعب بأن الحروب القائمة إنما هي بين فئات وجماعات تتصارع على المصالح لا دخل للحكومة والشعب فيها، والحقيقة أن كل الحروب المقامة الإعلامية والاقتصادية والعسكرية ضد الشعب اليمني وثورته، والدماء التي تسيل هي دماء المواطن اليمني والأنين الذي نسمه هو أنين ثكالى اليمن وتشريد الأسر والأطفال وكثرة الأيتام التي انتشرت جراء الحرب المدمرة من طائفة الحوثية والانفصالية وقاعدة الشر في الجزيرة هي مظاهر مؤلمة لليمن، وتخريب المدارس والجامعات والمنازل وإشعال العشش والخيام كلها آلام تصب على شعبنا عقوبة لثورته أمام مرآي ومسمع من حكومة سرقت الثورة وسلطت على الشعب الانتقام..
إن شعباً يدعي الحضارة تدك أمام عينية حصون العزل والمدن وتفجر المواقع والبنية التحية ومؤسساته الاقتصادية، وينتشر فيه المشردون تحت أقوى الأسلحة وتغزى مدنه وقراه لهو شعب يحتاج لإعادة النظر في الإعاقة التي حلت به، ويبحث عن القيود التي فرضت عليه، ويعيد النظر في الإعلام والثقافة التي تغذيه كل يوم حتى لا تخسر أمتنا كرامتها وتفقد وحدتها، وعلينا أن نؤهل أنفسنا لإدراك حقيقة المكر والكيد الذي يصب علينا، ونثق بنصر الله تعالى متى وعينا الحقيقة، ونعيد وحدة الصفوف لنزع حكم شعبنا من يد غير المؤهلين للقيادة، ولنكن على يقين صادق أن المكر بالضعفاء والجياع خطر على حضارة شعبنا اليمني العميق فيها، فإن كانوا يمكرون وهم كذلك فعلينا الاستيقاظ ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
د. عبد الله بجاش الحميري
الواقع المعاش بعد ثورة فبراير ! 1037