المجتمع عبارة عن مجموعات بشرية تختار البقاء, والعيش معا على بقعة معينة من الأرض.. بمرور الزمن يصبح هذا التجمع كياناً واحداً, متقارباً, متشابهاً, تجمعه أهداف, ومصالح مشتركة, وتغدو المجتمعات الأصيلة قوية, عصية على التشرذم, والتآكل.! فما الذي يحدث للمجتمع اليمني العريق في هذه المرحلة..؟!
المجتمع الصحيح هو الذي يرتفع مستوى وعيه لدرجة فهم مغزى قوله "صلى الله عليه وسلم" في وصفه للمجتمعات المتعاضدة: إن المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى! فهم لمعنى هو أبعد من مجرد الترابط الإنساني العاطفي؛ يلزمه إدراك عميق بأنه "صلى الله عليه وسلم" أعطانا تصورا عقلانيا, منطقياً لتأثير الفرد على المجموعة وتأثره بها! ومثل آخر يضربه النبي "صلى الله عليه وسلم" تكريسا لهذا المفهوم, بقصة أصحاب السفينة عندما أراد سكان أسفلها صنع ثقب في منطقتهم لاستقاء الماء, فإن تركهم أصحاب أعلاها غرقت السفينة وغرق جميعهم..! التمحور حول الذات, وخدمة الذات, والاهتمام بالذات علة أصابت المجتمع اليمني واستشرت فيه, خلال العقود الأخيرة..! وهي ليست مثالا للأنانية فحسب؛ بل هي من أوضح مظاهر قصور التفكير! لا يكمن للإنسان أن يعيش لوحده ويستغني عن البشر, ولا يمكنه أن ينسلخ عن المجموعة بأي حال من الأحوال..! الذين يقدمون مصلحتهم الفردية على مصلحة الجميع, ويرفعونها فوق مصلحة الوطن الذي يضمهم, لابد لهم من وقفة لمراجعة أسلوبهم في التفكير, ومحاولة الوصول للقدرة على النظرة الكلية للموقف..! ماذا ستنفعك أموال جمعتها من حلال وحرام إذا تمزق المجتمع, واختفى الأمن, وخربت البنية التحتية, وتلاشت كل مقومات العيش الكريم على أرض وطنك؟! هل ستهاجر, وتجد لك وطنا آخر تستمع فيه بهذه الأموال, وتترك جماعتك وأهلك وأحبتك يبتلعهم الطوفان؟!
لو صبر الإنسان وكف نفسه عن المال الحرام, فسوف يأتيه حلالا زلالا, لأنه نصيبه, وقسم من الله قسمه له وهو في بطن أمه, وترك له اختيار الطرق التي يحصله بها, هل من حلال أم من حرام..! أي مال, أو مصلحة تجنيها بأذية المجموعة فهي حرام, لأن القاعدة الشرعية واضحة في هذا "لا ضرر ولا ضرار"! نحتاج لوضع برامج, ومناهج دقيقة لتعليم الشعب مهارة النظرة الكلية للأمور, وغرس فضيلة العيش بالحلال فيهم, وتوضيح مدى قبح أن تعيش لخدمة ذاتك فحسب؛ بل والأسوأ منه أن تهتم بهذه الذات على حساب مجتمعك ووطنك..!
كم ستصبح حياتنا أجمل عندما ندرك جميعنا بأن الوطن هو مصدر الأمن بعد الله جل وعلا, وأن حب الوطن, وخدمته, وخدمة الناس من الإيمان!
أخيراً:
كل عاقل يدرك بأن صنع الخير يعم الجميع وينفعه ولو بعد حين, وأن صنع الشر سيعود على فاعله ولو بعد حين عليه أن يحدد موقعه, ويختار كيف يكتب "سيناريو" خاتمته..!
نبيلة الوليدي
أخطر علل التفكي..! 1113