لا يبدو أن الجمهورية قد رست في شاطئ الأمان بعدما شاهدنا في هذه الظروف التي تمر بها البلاد، والتي من خلالها سولت للبعض أن يخرق جدار الصمت ويتحدث أو يتصرف بأمور تمس أسوار الجمهورية كدولة.
تاريخياً لم ينجح الجمهوريين كساسة – منذ إسقاط الإمامة – من وضع الجمهورية كنظام ودولة ومن ثم تصبح واقعاً معاشاً لا يحتاج إلى تنظير أو خطابات أو أعياد لم يلمس منها الناس سوى العبث والنهب من الخزينة العامة للدولة.
بعد إسقاط الإمامة في ثورة سبتمبر العظيمة لم يبدأ الجمهوريين في بناء الدولة وبسط سيطرتها في أنحاء البلاد وإنما بدأت الصراعات السياسية والانقلابات والاضطرابات متناسين أو متجاهلين تثبيت دعائم ومبادئ الجمهورية وبسط نفوذها على أنحاء البلاد حتى لا تعود الإمامة بشكل أو بآخر.
الحقيقة المُرة أن هناك مناطق ومديريات لم تصل إليها أنسام الجمهورية، والحقيقة الأمَــر هي أن غياب أو تغييب الجمهورية كان بسبب غياب وتشجيع من قبل النظام الذي كان يدير الدولة .
يوجد مشايخ – هنا وهناك – لا زالوا يمثلون صورة مصغرة من حكم الإمامة البغيض، حكم الظلم والاستعباد وإلغاء الكرامة الإنسانية، حكم يلغي قيمة الإنسان كإنسان ومصادرة حقة بالعيش بحياة حرة وكريمة.
هنالك ما هو أكبر من المشايخ، هناك محافظة كاملة خارج نطاق الجمهورية، هذا الخروج لم يكن وليد اللحظة، و إنما كان خروج ممتد لعقود تنمو فيها الإمامة في عملية ممنهجة في حين نفسة تغادر منها روح الجمهورية.
لم يكن التجاهل هو الذي أوصل محافظة صعدة إلى هكذا وضع فحسب، وإنما وجود دعم من النظام السابق لهذا الخروج من أجل أهداف وأغراض سياسية مضحياً بتضحيات ودماء اليمنيين من أجل التحرر والإنعتاق من ذاك الحكم القائم على نظام الأسياد والعبيد.
بين هذا وذاك بين تجاهل السلطات ودعمها لهذا الخروج، برزت علينا أسرة تدعي أحقية الحكم بصيغة دينية لا يمكن التفاوض أو المساومة معها، أسرة تريد أن تعيد حكم الكهنوت والظلم والاستعباد.
لا يوجد مقارنة ادعاء أحقية الحكم بوصاية دينية سوى ادعاء اليهود عندما قالو نحن أبناء الله وأحباؤه، هذا الادعاء الناتج عن عقدة نقص وطغيان نفس وانحراف في الطريق.
اليوم هذه الأسرة تفرض أراءها وأفكارها بقوة السلاح ولم تتوقف عند صعده وحسب، ولكن توسعت في حجة وعمران ومديريات في صنعاء، حتى أصبحت على مشارف صنعاء العاصمة، قادمة بقوة السلاح وأفكار ظلامية كهنوتية قائمة على الاستعلاء والاستكبار، مستغلة وضع الدولة الرخو خصوصاً حالة الجيش الاستثنائية.
لا يجوز للدولة بأي حال من الأحوال بعد الآن السماح بامتلاك السلاح الثقيل والمتوسط والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذي ينص صراحة على نزع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي تمتلكها سواءً جماعة أو قبيلة أو فرد أو حزب .
ثورة الشباب العظيمة أعادت رونق وروح الجمهورية، الدولة القائمة على إرادة الشعب والأمة لا على إرادة أسرة أو قبيلة أو طائفة تدعي حكم الشعب الذي ولد حراً بالفطرة.
لا تستطيع أي سلطة أن تبسيط سيطرتها على البلاد وأن تطبق النظام والقانون وأن تفرض هيبتها وهناك من ينافسها قوة السلاح والسيطرة على أجزاء البلاد، بل تصبح هذه السيطرة دولة داخل الدولة.
السلطة اليوم مطالبة برد الاعتبار للجمهورية وللتضحيات والدماء الزكية التي سالت من أجل سيادة الشعب، بناء جمهورية تبسط نفوذها على كل شبر في طول البلاد وعرضها، جمهورية النظام والقانون والمساواة بين جميع أبناء الوطن، بناء جيش وطني قوي ولاءها لله والوطن قوي قادر على حماية الوطن من الأخطار المحدقة من الداخل أو الخارج، جمهورية قائمة على الحرية والحياة الكريمة.
لعقود طويلة ناضل اليمنيون من أجل هذه الدولة، لا زالوا في حنين حتى يروها رأي العين، فهل أتى الزمن التي تصبح فيها حقيقة.
خالد اليافعي
الإمامة حول أسوار الجمهورية 1080