"لقد اشتهر وكسب البن اليمني وميناء المخا شهرة عالمية وضيع صاحب المشروع من التاريخ والشهرة".. في القرن العاشر الهجري ومطلع القرن السبع عشر الميلادي حدثت تغيرات هامة علي وجه الأرض أثرت على مجريات الأحداث على المسرح العالمي والنشاطات البشرية ومراكز التحضر والتمدن وتحولت النشاطات التجارية البحرية التي كانت في تلك الفترة هي الأكثر استخداماً وتطوراً فقد تم اكتشاف طريق رئس الرجاء الصالح والقارتين الأمريكيتين واستراليا وتطورت صناعة السفن التجارية والعسكرية والأسلحة النارية وانتقل النشاط العلمي والتجاري إلى دول غرب أوروبا وموانئها.. وبالمقابل فقدت الموانئ اليمنية نشاطها ودورها كوسيط تجاري دولي بين الشرق والغرب بعد أن احتكر الغربيين تجارة الهند والصين مباشرة دون وسطاء.. في هذه الإثناء تمكن محمد بن احمد بن الحسن بن القاسم عامل المعافر المحاصر في قلعة منصورة الصلو من هزيمة القوى المتحالفة ضده من أمراء بيت القاسم القادمين من شمال الشمال حيث تمكن من الاستعانة بقبائل الحجرية وعلى رأسهم الشيخ صالح بن علي الحريبي الذي كان له الفضل في صمود محمد المهدي ومن معه من خلال مساعدتهم بكل ما يلزم من مؤن وغيرها وكان الحريبي أحد الأسباب في فشل الحصار وهزيمة المحاصرين (لذلك نقول إذا صلحت الحجرية صلحت تعز وإذا صلحت تعز صلحت اليمن).. ثم كون المهدي جيشاً من قبائل الحجرية وتعز وما حولها وممن انضم إليه من المهزومين وتم له السيطرة على اليمن الطبيعي ونظراً لجهود الحريبي وقبائل الحجرية في تثبيت أركان دولة المهدي, عينه المهدي وزيراً ثم كبير الوزراء إلى جانب ولد المهدي المحسن حيث أشرف على بناء مدينة المواهب التي اتخذها المهدي عاصمة لحكمه ونظراً لتعصب بعض الحاشية في قصر المهدي وخستهم ودناءة طباعهم وتعصبهم المذهبي وبسبب ضعف إيرادات الدولة نتيجة تبذير الإمام وحاشيته والحروب البينية التي أرهقت خزينة الدولة طلب الشيخ- صالح الحربي من الإمام توليته على السواحل وتعهد له برفد خزينة الدولة وانتشالها من الإفلاس وكان الحريبي يعلم أن مفاتيح غزو اليمن من البحر وكان يدرك التنافس الدولي المحموم على السواحل اليمنية في تلك الفترة, وضعف الحاميات بسبب انشغال الإمام بالصراعات الداخلية وتم للحريبي ما أراد.. فقد قام بتنظيم الموانئ من اللحية حتى عدن وكون جيشاً قومه3الف جندي وزودهم بالأسلحة والمدافع لحماية السواحل ونظم الدوريات والوكالات التجارية والأسواق ونظراً لاحتكاكه بالأجانب فقد استفاد منهم وأشار على الإمام باتخاذ جيش منظم بدلاً عن القبائل وبفضل جهود الشيخ صالح بن علي الحريبي تمكنت الدولة من بسط نفوذها على ساحل الصومال وأجزاء من الحبشة من خلال السيطرة على مدينة زيلع في الجانب الأخر من البحر الأحمر وكان أكبر انجازاته على الإطلاق أنه استطاع استقطاب الشركات العالمية وجعلها تتهافت على سلعة البن اليمني وتنشيط الحركة التجارية في ميناء المخا.. عقد عدة معاهدات مع الفرنسين والإنجليز والهولنديين وغيرهم بعد أن ركدت وانعدمت الحركة التجارية فيه لقد جعل الحريبي ميناء المخا يكتسب في عهد ولايته شهرة عالمية إلى اليوم حيث كان كثير من سكان العالم لا يعرف اليمن إنما يعرف المخا ( كوفي مكو) لله درك من حريبي (وكما كان الوزير نظام الملك مدبر شؤون الدولة السلجوقية صاحب المقولة المشهورة للحاكم علاء الدين السلجوقي عندما أوقع به الوشاة عند الحاكم (إن بقاء ملكك مرهون ببقاء دواتي وقلمي فإن كسر قلمي زال ملكك).. وعندما تخلى الحريبي عن المهدي صاحب المواهب سقط ملكه بيد ابن أخية القاسم بن الحسين قائد الجيش وكان للحريبي دور في دعم القاسم ووصوله إلى السلطة لكن بعض المؤرخين لم يكونوا أمناء ولم يعطوا لحربيي حقه بسبب التعصب المذهبي.
محمد سيف الحميري
وراء كل عمل عظيم رجل عظيم 1574