حينما ترجل الإبداع يوماً عند تخوم المدينة يناظرها بزهو وفخر رجوت كلماتي وأنا ألج إليها أن لا تخذلني وأن تخط في لودر أبلغ الكلمات وأجمل العبارات, شعراً, ونثراً, وأدباً, فتخاذلت الكلمات وتمردت العبارات وتخثر الحبر في القلم قائلاً لي (إن الصمت في حرم الجمال جمال) حينها فقط أدركت أني أقف في حضرة (العصماء) لودر, وأن الكلمات ستعجز ولن تتجاوز الأسطر أو تطاوع القلم أو الأنامل..
فجلت بناظري في أرجاء المدينة (العصماء) ومررت بمحطات العمر ولحظات البطولة والشرف وتذكرت تلك الكلمات التي خطتها الأنامل عنها وكيف تفنن المبدعون في مدحها والثناء عليها وأدركت أن كلماتهم لم تكن مجرد كلمات أو محاكاة عقل أو هوس قلم وإنما هي عشقاً وفخراً واعتزاز بهذه العصماء ينساب من بين الثنايا ليحتضن الأوراق التي تنطق أسطرها بعشق لودر وحبها والفخر بها وببطولات رجالاتها..
تذكرت تلك الدماء التي أرتوت منها أرض لودر, وتلك الأرواح التي عانقت السماء وحلقت في فضاءات الكون الفسيح, وتلك الأجساد التي تمزقت في سبيل الذود عن الأرض والعرض والكرامة, وتلك البطولة التي تجسدت في أروع صورها وأجملها حينما دعت الحاجة وكان الموقف أما أن يكونوا أو لا يكونوا وأن يتخطوا ذلك الخوف الذي سكن في دواخل الكثيرين وأن يقتلوا ذلك الوهن والضعف الذي أحتوى الكثيرين وولوا مدبرين هاربين أو استكانوا في (دورهم) كالعذراء في (خدرها)..
البطولة في العصماء لم تكن سلاح تحمله أياديهم ولم تكن رصاصات تطلقها (بنادقهم) ولم تكن كلمات تتشدق بها أفواههم بل كانت إيمانا مطلق بأن العرض والأرض والكرامة تصنعها العزيمة والإرادة والصلابة والإيمان المطلق بأن سكينة المدينة واستقرارها وراحتها وأمنها وأمانها هو امتداد لأهلها وعز وفخر لهم, فكانت الأرواح تلفظها الأجساد والدماء تنساب من الأوصال ومع ذلك تتهافت القلوب والرجال إلى ميادين البطولة وتتسابق على نيل الشهادة والتضرج بدمها في تربة مدينتها وتلفظ آخر نفسها وهي راضية وتقول لو أن العمر يتكرر لقدمت روحي مرات ومرات في سبيل لودر..
رسمت ملاحم البطولة والإخلاص لله ثم لذلك التراب الطاهر (عنوان) المدينة وخطته بأحرف من نور وذهب وخلدته تلك الهامات التي أفنت عمرها وحياتها في سبيل الله ثم المدينة وأهلها فسار الكل على درب النضال والعزيمة حتى وصلوا إلى ذلك الألق والمجد والمكانة في قلوب الناس, وأضحوا علامة فارقة في خارطة الوطن, حينما كانوا لله فقط دون زيف أو مصالح أو مآرب أو غايات..
للبطولة عنوان وهو (لودر) وللرجولة مكان وهم (أهلها) وشتان بين أن تكتب البطولة وتخطها مواقف ودماء وبين أن يتسلق الآخرون إليها على ظهور الشرفاء الذين لم تكن حياتهم أغلى من تربتها الطاهرة ونسائم هوائها الدافئة وسكون ليلها البارد, وبراءة أطفالها الذين حصد الشر ومزق من أجسادهم الطاهرة الكثير..
البطولة جسدها أولئك الذين ووري جثمانهم الثرى وخلدوها بأفعالهم وكلماتهم وأخلاقهم ومواقفهم وإخلاصهم, فكانوا مدرسة تتلمذ فيها الكثيرون وتعلموا فيها أصول البطولة والرجولة ومعنى أن يكونوا لله أولا ثم للمظلومين ولمن تتقاذفهم صروف الزمان, وللأرض التي أن أرتوت من دمك أسكنتك دواخلها وأقلتك فوقها.
فهد علي البرشاء
لودر.. للبطولة عنوان ! 1080