إن توسع نطاق المعرفة في مجال التاريخ الإنساني, ونشر المعلومات والوقائع والأحداث التاريخية والاطلاع عليها, يهدف بالأساس إلى أخذ العبر من هذه الأحداث والوقائع, والاستفادة من الإبداعات الإنسانية القديمة التي كان لها بصمات واضحة وجميلة ومهمة في تشييد الحضارات واستكمال البناء على مداميكها الصلبة, وربطها بالجهود الحالية.
ومن أبرز هذه الأحداث التاريخية في بلادنا, احتلال بريطانيا لعدن في 19 يناير 1939م, وبعدها مباشرة سارعت قوى الاحتلال البريطاني إلى عقد معاهدات صداقة وسلام مع شيوخ وسلاطين المناطق المجاورة لعدن, بغرض احتوائهم وحتى تتجنب أي محاولات للمواجهة مع القبائل المجاورة لعدن, وليس كما جاء في نص الاتفاقية بأن الغرض من الاتفاقيات هو ضمان سلامة القوافل التجارية بين عدن والمناطق المجاورة لها (لحج ـ أبين ـ خنفر) وعدم ارتباط السلاطين بدولة أخرى.
وكانت أول معاهدة مع سلطان يافع بني قاصد علين بن غالب العفيفي وقعها عن السلطان وكيله الشيخ حاصل بن هادي بن أحمد بتاريخ 21/فبراير/1839 أي بعد شهر من استيلاء القبطان هانس على عدن.
وجاءت الاتفاقية الثانية وهي اتفاقية حماية بين القوات البريطانية مع سلطان يافع بني قاصد أبو بكر سيف بن علي أحمد بتاريخ 1/ أغسطس/ 1895م, إلا أن هذه الاتفاقية وجدت بدون توقيع السلطان أو وكيله وأيضاً بدون توقيع الشهود من العرب, وقد تضمنت هذه الاتفاقية ضرورة إشعار المندوب السامي في عدن في حالة دخول أي دولة أخرى إلى أراضي خنفر أو الحصن أو الرواء أو القارة.
ومن هنا بدأ الاهتمام بمنطقة خنفر (جعار حالياً) (والتي تبعد عن عدن بـ 60كم) وخاصة عندما قل استيراد المواد الغذائية عن طريق البحر إلى عدن وظهرت مؤشرات بداية الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق, لذلك كان لا بد من وضع البدائل, مما دفع بمدير الزراعة في محميات عدن للتفكير في تطوير سهل أبين (خنفر) واستغلاله في زراعة الحبوب لسد النقص في موارد الحبوب, وقد بدأ مشروع هرتلي مدير الزراعة بمحميات عدن في 1940م, برأسمال لا يتجاوز عشرة آلاف إسترليني حصل عليها من قبل حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1948م وحين توفرت المواد الغذائية في الأسواق تم تحويل مشروع هرتلي إلى مشروع لجنة أبين والذي تولى بدوره إدارة تطوير الزراعة في المنطقة.
وفي عام 1950م تأسس نادي خنفر الرياضي الثقافي الاجتماعي بناءً على ترخيص من إدارة البلدية, جاء ذلك على إثر منازعات بين فريق الإنجليز الخبراء المقيمين في جيل خنفر والقائمين بإدارة شؤون لجنة أبين الزراعية مع الشباب الرياضيين من أبناء المنطقة, حيث كان فريق الإنجليز لا يسمح للشباب الرياضيين من أبناء المنطقة بالتدريب في ميدان كرة القدم الوحيد في المنطقة والتابع للمدرسة الابتدائية, مما أدى إلى عدم رضا شباب المنطقة بهذه المعاملة, وطالبوا الجهات المسؤولة في سلطنة يافع بضرورة السماح لهم بالتدريب بميدان كرة القدم المذكور آنفاً..
وقد عملت السلطة آنذاك على معالجة الموضوع حيث تم الموافقة على تأسيس نادي خنفر لشباب المنطقة والسماح لهم بالتدريب في الميدان المذكور أعلاه, بواقع ثلاث أيام في الأسبوع, وقد كان أول رئيس للنادي هو الأستاذ/ علي مصوع المنصوري والذي كان له الدور الأكبر في تأسيس النادي مع إخوانه من الشباب الرياضيين.
وقد ازدهرت منطقة جعار في الزراعة والتجارة والصحة والتربية والرياضة, وغيرها وذلك نتيجة لارتفاع الموارد المالية العائدة من إنتاج القطن طويل التيلة, رغم أنه كان يصدر إلى بريطانيا بثمن بخس وذلك في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
وفي عام 1960م تم إدخال الكهرباء وفي عام 1965م تم إدخال الماء إلى منازل المواطنين, وقد تم بناء الجامع في الثلاثينات من القرن الماضي إلا أن هذا الازدهار لم يدم طويلاً, حيث عمل الاستعمار البريطاني على مد نفوذه وتنفيذ السياسة الاستعمارية وخاصة في السيطرة على بعض عائدات الثروة الزراعية وقد ساعد على ذلك استخدام عدداً من ضباط (شبر والليوي) من غير أبناء المنطقة وجذبهم إلى منطقة خنفر للعمل مع قوى الاحتلال في الجانب الأمني والزراعي والقضائي وغيرها وبهذا قد لحقق الضرر الكبير بأبناء المنطقة, وأسفر ذلك عن نشوب صراعات بين التيار الاستعماري وأعوانه مع سلطنة يافع بني قاصد مما دعا إلى انسحاب السلطان محمود بن عيدروس العفيفي في عام 1957م مع رجاله من القبائل إلى يافع (القارة), إلا أن الطائرات البريطانية ظلت تقصف منازل القارة حتى غادر السلطان محمود بن عيدروس العفيفي إلى البيضاء, ومنها انتقل إلى تعز للالتحاق بقوى الثورة.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يعم الخير والسلام والسعادة والرخاء على هذه المدينة وجميع المناطقة في بلادنا الحبيبة.
محمد صالح الجدي
لمحة تاريخية عن مدينة جعار 1165