لماذا اختفت كثير من العادات الحسنة، فقد كانت المساجد تعج بالعلماء وبحلقات التدريس يتجه إليها الصغار والكبار، ينهلون منها كثيراً من العلوم الضرورية لمستقبل حياتهم، وتتهذب نفوسهم من الدروس التي يتعلمونها، بالإضافة لدروس في الفقه واللغة العربية والأحاديث النبوية، ومن هذه الكتيبات التي كانت تدرس، أحاديث الأربعين النووية، والآجرومية في النحو، كتاب الزبد في الفقه وهو منظوم بألف بيت شعراً، وكتاب بلوغ المرام، وبعض المساجد يتوسعون في تدريس كتاب البخاري، وبعض الكتب الأخرى النافعة، أما حلقة القرآن فكانت أساسية، وبهذا ينشأ الغلام الصغير نشأة صالحة مشبعة بالقيم تجده طائعا لوالديه، مؤدياً لحق ربه، عارفاً بحق جاره، مدركا للأمانة ومتخلقا بها، يتخاطب مع الكبير بإجلال ومع الصغير بعطف واحترام.
كان يسهل على الأب إذا لم يجد التربية لأولاده بسبب قلة علمه أو انشغاله فما عليه إلا أن يسلمه لإحدى الحلقات العلمية في أحد المساجد فيتعلم الاثنان معا أو أحدهما.
اليوم نحن في أمس الحاجة لمثل ذلك أكثر من ذي قبل، كون مراكز الإفساد انتشرت في كل اتجاه وغزت البيوت بل غزت غرف النوم، عبر الشاشات التلفزيونية التي لا رقيب عليها، وعبر النت، والفيس بوك والجوالات، كل هذه المصادر الهدامة وغيرها لا أحد يستطيع الحد منها أو مراقبتها إلا عبر التربية وغرس القيم الفاضلة التي لا نجد في هذا الزمان من يقوم بهذا الدور إلا النادر جداً والأندر لا حكم له، بل إن شبح انتشار المخدرات جرس إنذار يهدد المجتمع برمته ويؤرق كل أب فيه ذرة إحساس وخوف على أبنائه، ولكننا جميعا نقف موقف المتفرج المستسلم لكل هذه الكوارث ولم نكلف أنفسنا عناء التفكير والبحث عن عوامل تحصين الأبناء من هذا الغول ومن كل ما يتهددهم ويهدد جيل المستقبل برمته.
صرخة من القلب إلى كل ذي علم يستطيع أن يغرس به الفضيلة، نقول لهم "مجتمعنا في خطر، أبناؤنا في خطر، الجيل القادم في خطر، فأين دوركم؟
أيها العلماء.. انتم ورثة الأنبياء, فأين دوركم ؟
لماذا كثير منكم انغمسوا بالسياسة وشغل الدنيا، ونسوا تربية الجيل وتذكيرهم بواجباتهم الأخلاقية النافعة لهم في الدنيا والآخرة؟
ستقولون لي إن السياسة من الدين، وأقول لكم لا ننكر ذلك ولا ندعي فصل الدين عن الدولة، ولكن لا تجعلوا السياسة كل الدين، فتربية الأجيال هي الأساس، وما نعانيه اليوم ما هو إلا بسبب الاختلال في التربية!
يا ورثة الأنبياء.. نناشدكم الله أن تتحملوا مسئوليتكم وأن تقتدوا بأسلافكم، ويتخصص البعض منكم للتربية والدعوة فقط، بعيداً عن الحسابات السياسية والحزبية والمصلحية، فمن يسلك منكم هذا الطريق فقد سلك أحسن الطرق وصدق الحق سبحانه القائل "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين"..
أيها الخيرون من رجال المال والأعمال.. نناشدكم الله أن تدعموا هذا التوجه وأصحابه بعيداً عن التباهي وعدسات التصويًر، فمثل هذه الأعمال هي التي ستبقى لكم.
أيها المثقفون, أيها النخب, أيها الحزبيون.. هذه التربية التي ننشدها لنا ولأبنائنا, نحن جميعا بأمس الحاجة لها وليست خاصة بجماعة ما أو حزب ما أو طائفة معينة، بل هي هويتنا جميعا، فلنعمل جميعا على أن نستصرخ الخيرين القادرين على هذا العطاء التربوي أن يقوموا بواجبهم ولنكن جميعا عونا لهم ولو بالكلمة الطيبة، قبل أن يضيع الجيل القادم وحتى لا ننشئ جيلا مسخا لا صلة له بأصله وتراثه وقيمه ودينه!
عضو مجلس النواب
محمد مقبل الحميري
صرخة أبعثها إلى آذان العلماء 1356