يروق لي أحياناً الجلوس أمام النافذة بعد صلاة الفجر أحاول استنشاق بعض نسمات الهواء الطازج.. لا أجمل من نسمات الصبح الأولى ..
يبدو منظر الشارع فارغاً يلفه السكون ويمنحه رهبة تثير في النفس رغبة في التأمل.. لا تكاد ترى أكثر من شخص أو أثنين من المصلين الخارجين من المساجد كثير من الناس لا يقدرون قيمة هذه اللحظات الرائعة !!..
البيوت متراصة ومتقاربة وبعضها يلتصق ببعض رغم تباعد قلوب ساكنيها إلا أنها تبدو وكأنها تجمع أنفاسهم ثم تطلقها من منفذ واحد..
كل شيء صامت إلا بعض أصوات حفيف أوراق الشجر حين تعانقها نسمة هواء عابرة..
أشجار الرصيف تبدو هزيلة وغير منسقة, لا نجيد حتى تزيين شوارعنا في الوقت الذي تبدو فيه شوارع بلدان أخرى وكأنها لوحة رسام.. نغرس نحن أشجار لا لون لها ولا رائحة ولا حتى منظر يوحي بشيء من الجمال.. ربما لأننا فقدنا كل ألوان الجمال بداخلنا.
ماهي إلا لحظات ويبدأ دبيب الحركة يعم أرجاء المكان.. مركبات العمال أولاً, أولئك الذين يستيقظون مع ساعات الفجر الأولى ويعودون نهاية النهار عملٌ مضني مقابل أجور زهيدة لاتسمن ولا تغني من جوع..
بعدهم تأتي سيارات بائعي القات تبدو وكأنها تسابق الريح، القات تجارة لا تبور في بلادنا يدر أرباحاً كثيرة, لكنه يسرق الوقت والعمر والعقل دون أن يشعر به أحد..
بدأ الناس بالتدفق بين غادٍ ورائحٍ, الكل يمشي بخطوات متسارعة لا أحد يرى من بجانبه ولا أحد يلقي التحية على الأخر.. الوجوه تحمل نفس الملامح عبوس وشرود وضجر ربما من مفعول السهر مع القات وربما خوفاً أن يسبقه غيره إلى مكان رزقه.
ورغم أننا جميعاً نحفظ الحديث الشريف (تبسمك في وجه أخيك صدقة) لكن لا أحد يبتسم في وجه الأخر صرنا بخيلين حتى في المشاعر.. لا أحد يسلم على الأخر إلا إن كان يعرفه أو بينهما مصلحة.
عيناي حولتا وجهتهما نحو السماء تلقائياً كم أعشق النظر إليها فكل تفاصيلها تختلف تماماً عن ما يدور في الارض,, تلك السحب تمشي بهدوء وتناغم رائع ليست على عجلة من أمرها تسير بهدوء وتروي إلى حيث قدر لها المولى أن تكون.
الشمس أيضاً لا تظهر فجأة وإنما ترسل خيوط أشعتها الذهبية رويداً رويداً لتعطي لوناً ساحراً للغيوم وتزيد من إشراقة لون السماء الصافي.
سرب الطيور تحلق بأجنحتها عالياً كأنها تمشط الكون وتراقب حركة البشر تبدو فخورة بما أعطاها الكريم من نعمه.. كيف لا وهي تجوب الكون الفسيح بكل حرية هناك حيث لا زحام ولا ضجيج ولا خوف ولا ألم ..
لكن أين العصافير؟ لا أسمع صوت زقزقتها الحنونة إلا من شقة جارتي التي تملك الكثير منها في أقفاص أنيقة, لكنها تبقى أقفاص سجن باسم آخر.. دعيها يا جارتي اطلقي سراحها فليس من العدل أن نمنع الأخر من الحياه بحرية حسب رغبته لمجرد أننا نحب الاستمتاع به..
امنحيها حريتها لتمنحك الحب, إنها تعشق التحليق في ملكوت الله الواسع الذي علمها كيف تبني عشها من أغصان الشجر, وعلى الشجر يكون صوت تغريدها أروع وأجمل..
اشتد الزحام على الأرض وعلت الأصوات وبدأ جنون البشر وضجيجهم يلوث جمال الكون, ويخدش سكونه .. لا أملك الآن إلا إغلاق النافذة!.
جواهر الظاهري
لحظة تأمل.. 1673