على أمتنا اليمنية المسلمة أن تلتزمها في زمن اللهيب الحارق الذي يكتنفها، وأولها:
-الالتزام بالثوابت الربانية.
- وثانيها: الالتزام بالثوابت الوطنية. واليوم نتناول الثابت الثالث: وهو
- التزام الفرد اليمني المسلم أن يكون منتجاً نافعاً للخلق، وأن تقوم الدولة والجماعات بتأهيله للإنتاج، وليس لجوانب السلبية وحمل البندقية للقتال على عصبية, أو مصالح أفراد يعرفون برؤساء قبلية, أو جماعات طائفية، أو زعماء مناطقية يتاجرون للخارج بالقضايا الوطنية، فتضطرم لهيب النزاعات هنا وهناك، ويعطل شعبنا من دوره ويسلب ريادته، ويقبع في مستنقع التخلف والنزاع، فتكوين الفرد نفسه ليكون منتجاً باذلاً لا مرتزقاً يتسكع في مدرجات بيع الضمائر والتحلل من المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية والدينية، فبناء القوة الفردية والمعرفة الفردية هي ركيزة القوة الاجتماعية المكونة لشعب حر أبي يأبى الدناءة والعمالة والتبعية وبيع الضمير والتخلي عن مسؤوليته بثمن بخس لكل من يشري منه، كما يفعل مشايخ الاتزان وجماعات التخلف والأحزاب الغريبة عن الشعب فكراً ومنهجاً وسياسة عندما تكثر الفتن يسعون لتغييب الحقيقة.
ومن المؤكد أن القوة المجتمعية المنتجة والمتحررة هي مصدر قوة الدول والشعوب، وإذا بحثنا في مصدر قوتنا لرأينا الفرد في مجتمعنا اليمني أقل إنجازاً وإنتاجاً إذا قارنا أنفسنا بإفراد الشعوب الأخرى غير اللاهية والغارقة في تخمة الثراء، ونحن في واقعنا اليمني نرى أن الفرد فينا أكثر استهلاكاً وأقل انتظاماً في عمله وإخلاصاً في أدائه، وأكثر مداً ليده في محل عمله لمن يقصده لتنفيذ مطلبه، ونحن أقل الشعوب إدارة في تطوير الذات وأكثر اتكالية داخل الأسرة، إذا استثنينا شعوب الغناء النفطي، ونعلق تأخرنا في الدولة التي هي في الأساس أفراد من بيننا يتمتعون بالعجز التطويري مثلنا تماماً.
إن مسيرتنا في الصراع مع آلة التخلف قد تطول تنتظر منا تأهيل شبابنا وتعد محاضن صحيحة لأطفالنا، ومن ثم فعلينا أن نطور ذاتنا سياسياً وعلمياً ونخرج من دائرة وزنازين التبعية للخارج، وللأحزاب الراديكالية والجماعات الطائفية، والدعوات المناطقية والمشايخية الجاثمة على صدر شعبنا قروناً، وعلى كل منا أن يحول بيته إلى محضن تربوي لتنمية أسرته وتأهيلها تأهيلاً فردياً اجتماعياً، ليكون منتجاً باذلاً متحرراً من بيع الضمير, وفرض إرادات على الآخرين بالحروب والقتل، فنحن نحتاج لفكر تربوي وإعلامي حر نزيه، وترابط اجتماعي يسوده روح التضحية والبذل لرفع كفاءة شعبنا إلى معامل النهوض وليس يلقيه من مستنقعات البيع والشراء ومن يدفع أكثر يكون البيع له، هذا المذهب الذي طال ليله يجب أن يغادر شعب اليمن فالدواهي تتلقفنا من كل جهات حروب طائفية كشرت عن أنيابها، ومكايدات حزبية طال عمرها تربينا على (أنا أو الطوفان) وخلل في أداء الدولة لواجبها، بل تجاوبها مع كل عامل خارجي وتخليها عن واجبها الداخلي، في خدمة شعبها وحماية أفرادها، وعودة قادتها من بلدان زاروها بغير الوجوه التي ذهبوا فيها..
وأفراد وجماعات منتمية لهذا وذاك تصفق وتنهض لحمل سلاحها وإلى الجبل يا سارية، ليقتل بعضنا بعضاً ويهدم منزله ويسعى لنشر فكر متخلف مستورد من خارج الدائرة الإسلامية والوطنية وإنما يدفعه لاعتناقه المقابل الذي يأخذه ثمناً لتخلف شعبنا ،كل فرد من شعبنا جميعاً دون استثناء مدعو إلى الإيجابية في العطاء والبذل بحيث يكون بذله لوطنه أضعاف ما يبذله لبطنه وشهوته، وليس النهب لخيرات بلده ونشر الفقر ليصبح داء معمماً لجميع أفراد الشعب ويستأثر هو وحده أو مع حزبه أو جماعته بخيرات الأمة، ويعمل لنشر صور الفقر بكل أشكالها فكرية وسياسية واقتصادية، وانظر للإعلام الزائف ماذا يخرج من كوادر تمتهن الكذب وتحرض على الفرقة والقتال، وترسل ظلام العداء بين أفراد المجتمع في مؤتمرات لأفراد وإعلاميين ومسئولين غارقين في الفساد إلى الأذقان.
على كل فرد وجماعة وحزب وطائفة أن تتبذل جهدها لاستتباب الأمن ونمو الاقتصاد والوعي السياسي الذي يقود البلاد لاصطفاف الداخل وحسن التعامل مع الخارج من دون مقابل, ألم يكن لنا في تركيا مثلاً وعلى كل فرد منا حماية المنشآت الخدمية العامة داخل وطنه، ويحافظ على سلامة سفك الدم الحرام وعلى رجال الدولة أن يعرفوا حق الكرسي الذي يجلسون عليه وأنهم أجراء عند الشعب اليمني وليس عند من يزورنهم لتلقي الأوامر ليفسدوا علينا سياستنا ويسمحوا بانتهاك سيادتنا ويبيعوا كرامتنا لغيرنا فمتى تكون ثوراتنا للبناء وليس للهدم.
د. عبد الله بجاش الحميري
مسؤولياتنا في عتمة الظلام (3-3) 1192