تمر المملكة العربية السعودية بمشاكل كبيرة وبمراحل صعبة حقيقة؛ نتيجة خطواتها المتسرعة غير المدروسة وقراراتها الخاطئة الذي لم تجد من صدورها بُداً. فما كان عليها إلا أن تزرع خلافاً مع بعض الدول الخليجية والعربية وتتلطخ بأموالها على ورقة الازمة السورية وتفقد سيطرتها على الملف السوري وبعض الملفات العربية.
لم تكن زيارة الرئيس الامريكي باراك أوباما الأخيرة الى الرياض ولقائه بالعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز من اجل جعل السعودية موضع اهتمام كبير لدى واشنطن بقدر اهتمام اوباما لتغيير سياساته اتجاه المنطقة بين مختلف الدول. إنما لأجل ترميم العلاقات وتضميد جروح الخلافات الأخيرة بينهما والذي شهدت تحديات متفاقمة على حساب دول الربيع العربي.
السيد اوباما أوشك أن السياسة السعودية والأسرة الحاكمة بالذات تنجر نحو أعماق الصراع و"التشبط" والتخبط. ومواقفها الاخيرة الواضحة بالنسبة لمعظم القضايا العربية دليل على ذلك . فسارع لإنقاذ الحليف الاستراتيجي من الإنهيار . وأيضا لإنقاذ سياسة أمريكا وخططها ومشاريعها في المنطقة التي تمر عبر بوابة قطر والسعودية كلا حسب وظيفته المكلف بها.
أمران هامان كان سببا في إشعال نار ذلك الخلاف. مما جعل السعودية تغير من سياستها ومواقفها بالنسبة لبعض القضايا.
الأمر الأول: تراجع واشنطن عن طلب الرياض لتوجيه ضربة عسكرية في سوريا بعد ضخ مليارات الدولارات الى الخزانة الامريكية من أجل حسم الامر عسكريا وبصورة عاجلة.
الأمر الثاني والمهم: الاتفاق الايراني الغربي والامريكي على وجه الخصوص والذي سقط كالعاصفة المباغتة والرصاصة القاتلة على دول الخليج الحلفاء الاكبر لأمريكا والعداء الضخم لإيران. وكان ذلك نقطة تحول نحو تغيير استراتيجية المنطقة والعمل بشكل تبادل الادوار والمهام والتحكم بزمامها بطريقة اكثر حذراً مع امتداد وكثر المذاهب والطوائف والجماعات المتطرفة في بلدان المنطقة. وتعاملت بعض دول الخليج مع ذلك الوضع بحذر كبير وتسعى حالياً الى بناء معسكر مشترك يعم الشق الخليج السعودي الاماراتي البحريني بجانب مصر والاردن.
الرياض وبعد رفض طلبها وخذلانها من قبل واشنطن بعدم توجيه ضربة عسكرية في سوريا. ونفاذ كل المطالب وسقوط كل وسائل الحلول السياسية عبر المفاوضات وقطع حبل صوتها في المؤتمرات ازاء الازمة السورية. لجأت الى ورقتها الاخيرة حول موقفها في سوريا واتخذت من أولوياتها إنشاء جماعات جهادية متطرفة متعددة الجنسيات وتمولها بكافة انواع الدعم من أجل اسقاط النظام السوري أو تغيير موازين القوى على الارض ولو بأقل المؤشرات . ووضعت على رأس هذه المهمة الصعبة والذي تولى زمام الملف السوري مؤخراً رئيس جهاز المخابرات ومنقذ السياسة السعودية ومهندس العلاقات الخارجية الامير بندر بن سلطان.. لربما ينجح في تقليص دور النظام واجتياحه بعض المناطق السورية بعد توعد الرياض بالوقوف بجانب سوريا واستمرار الضغط بأي طريقة لإسقاط النظام السوري. لكن ذلك يقتضي مع مصالحها . وإن وجدت مصلحتها مع بقاء نظام الاسد سوف تتوقف عن الزج به والضغط على زره نحو السقوط. وقد تصل السعودية بأموالها وبما يخدم مصالحها الى انقاذه من الإنهيار .
لم يمضِ على مهمة الامير بندر بضعة اشهر إلا وقرار الملك يعفيه من مهمته وعن منصبه كرئيس لجهاز المخابرات.
ويرى البعض أنها أصعب مهمة كُلِّف بها الامير بندر وفشل في نجاحها كونه يحضا باهتمام كبير وعلاقة قوية بين مختلف الدول ورؤسائها. حتى أنه يعزم على حل أي خلاف وترميم أي صراع بين السعودية ودول أخرى.
القرار أتى حسب صدوره بأنه طلب الأمير بندر لكي يتعافى من مرضه. حيث أُجريت له قبل فترة ليس بالقصيرة عملية جراحية للكتف.
والبعض يرجّح ذلك وهو وارد بالفعل وليس تأكيداً .. إنه سبب فشله في ملف الأزمة السورية وعدم تحقيق أي انتصار أو تقدم . بعد ضخ مليارات الدولارات والمعدات العسكرية الخفيفة منها والثقيلة وتجنيد رجال من مختلف الدول.
لا أحد بمقدرته تصوُّر ذلك الحدث المتسارع من قبل الاشقاء في المملكة العربية السعودية, لكن ذلك الأمر يتطلب الى دراسة واضحة للخطوات المتخذة من قبل الرياض والذي لم تأتِ بأي نتيجة. وهذا إنما يجعلنا ندرك حتماً أن ذلك التخبط والتسرع قد يأتي بانهيار السعودية بعد تدهور الجناح السياسي والأمني داخل وخارج المملكة.
لقد فشلت السعودية بكل قرارتها الغير صائبة اتجاه مواقفها بالنسبة لبعض القضايا الخارجية. وخسرت كل رهاناتها إزاء الازمة السورية. وها هي تُحدث ضجيج وتأجيج للصراع والخلاف داخل المجلس الخليجي من خلال شحن تنافرات وملاسنات لدحر قطر والضغط والتآمر عليها لأسباب وقضايا خارجية .. وهذا إنما يؤكد لنا نية المملكة الخبيثة في عرقلة سير النهوض وعدم التعامل مع أرض الواقع والتخبط بشكل كبير اتجاه خطواتها المتسرعة إزاء معظم القضايا الخارجية ودول الربيع العربي على وجه الخصوص.
راكان عبدالباسط الجبيحي
الرياض..وافتقاد زمام المبادرة ! 1221