ليس هناك أعز على الإنسان من فراق قيادي تجتمع فيه صفات الصداقة والأخوة والشجاعة وقول الحق, ولم تكن صدمة أبناء البيضاء بسيطة على فراق العميد حسين قحطان ديان فهو رجل عاش كواحد منهم لم يأخذه بريق المنصب ونياشين الأوسمة ليعيش في عالمه الخاص كما يفعل الكثير, بل ازداد تواضعاً وقرباً من الناس.
كانت معرفتي به في مكتب محافظ المحافظة السابق/ محمد ناصر العامري, في اليوم الذي تلا تأييد اللواء/ علي محسن الأحمر للثورة الشبإب الشعبية السلمية, وكنت قد كتبت مقالاً تحت عنوان " أهلا أيها الجنرال القادم " وبعد دخولي إلى مكتب المحافظ العامري بالمجمع الحكومي وجدته قد تغييرت ملامحه وهو يقول لي أنت أنزلت على محسن في مكانة الأنبياء, وكان يستشيط غيضاً وغضباً, وكان سبب الحنق الكبير علي, أن العامري وقف معي في بعض منعطفات الحياة فكان يعتقد أن رد الجميل هو الوقوف معه ضد الثورة, وكانت أبرر موقفي بأن اللواء علي محسن اتخذ موقفاً شجاعاً وأعجبت بموقفه وعبرت عن إعجابي بطريقتي الخاصة فكانت آخر جملة قالها العميد العامري " الآن اكتشفت أنك من الإخوان الصهاينة " وتحول الود فيما بيني وبين العميد العامري إلى عزلة ولم نلتق بعدها إلا في الانتخابات الرئاسية حينما كنت عضو اللجنة الإعلامية العليا بالمحافظة.
لقد أثارت كلمات المحافظ العامري غضب وكيل المحافظة حسين ديان وخاطب العامري هكذا تقولون للمعارضين بأنهم صهاينة ثم أدار ظهرة وتوجه خارج المكتب وهو يقول ليسوا صهاينة إنهم أحرار, ثم جلست مع العميد ديان لأشرح له بعض الأسبإب التي دعتنا إلى قيام الثورة فوجدته ملماً بكل شيء عن فساد عائلة صالح, وتحدثا عن أشياء كثيرة في جانب الفساد وخصوصاً بالمحافظة. لم تكن إلا أيام قليلة جداً وتحديداً في 16 أبريل حتى نزل ديان ليعلن بعد صلاة الجمعة من وسط ساحة أبناء الثورة انضمامه للثورة وتأييده لمطالبهم, وخلال تلك المدة التي كان الشبإب فيها يفترشون الساحة كان الوكيل ديان يقوم بتمويل أنشطة شبابية للتوعية والتعريف بأهداف ثورة الشبإب الشعبية السلمية.
ومضينا سوياً في ركب الثورة وشكلنا التكتل الإداري لموظفي محافظة البيضاء والذي من خلاله استطعنا أن نتواصل مع اكبر عدد من موظفي المحافظة وكسبنا تأييد البعض وتعاطف معنا البعض الأخر, وتم انتخإب حسين ديان رئيساً للتكتل الإداري الذي اصبح رديفاً قوياً للمجلس التنظيمي بساحة أبناء الثوار وظل العمل بين المجلس التنظيمي والتكتل الإداري عمل توافقياً وتكاملي, وكانت ابرز قيادات التكتل عبدالله الذهب مدير مكتب المحافظ والدكتور محمد الغزالي مدير عام التخطيط واحمد الوحيشي مدير عام الشؤون القانونية ومحمد المقبلي نائب مدير عام التخطيط ومحمد سالم الهصيصي نائب مدير عام الخدمة والشيخ محمد العبادي مدير الإرشاد بالمحافظة ومطلوب شرقة مدير عام التربية والتعليم, وكاتب المقال وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم..
وبعد أن حققت الثورة الشبابية الشعبية السلمية أهم أهدافها تعرفت بالوكيل ديان في العمل الإداري بحكم عملي كمدير عام للإعلام بالمحافظة, وكان الرجل أبعد وكلاء المحافظة عن حب الأضواء والشهرة ولم يحرص في يوم من الأيام أن ترافقه عدسة الكاميرا, بل كان يعمل بعيداً عن الكاميرا, وكان اكثر وكلاء المحافظة انضباطاً وعملاً, بل كان أشجعهم في قول الحقيقة والترفع عن الماديات, وكان اصدق الجميع لهجة فهو صريح في عباراته وبالرغم من علاقتي المتميزة به إلا انه كان لا يداهن أو يحابي احد.
لقد كان الرجل يمتلك من الشجاعة مالا يمتلكه غيره فقد كان طيلة فترة عمله في المحافظة يغدو ويروح بمفرده ولم يكن يصطحب معه أحدا من المرافقين, وخلال فترة الثورة كان الرجل لا يتردد إلا على ساحة أبناء الثوار بينما كان البعض ممن هم في منصبه أو أدنى منه يترددون على أبوإب المسئولين ورجال الأعمال بغية الحصول على عرض من الدنيا.. كان الرجل يعشق الوحدة وحاول تيار علي سالم أن يكسبه إلى صفه ولكن كان الرجل عنيداً, وتتابعت المحاولات من أكثر من جهة هنا وهناك إلا أن الرجل كان يرى في نفسه مدرسة مستقلة بذاتها, لقد عرض عليه مبلغ من المال يزيد عن عشرين مليون من قبل مسئول في حكومة علي عبدالله صالح بعد انضمامه للثورة بأسبوع فقط بشرط أن يتراجع عن تأييد الثورة فكان رده لذلك المسئول "أنا مانش عبد للفلوس".
اااه يارفيقي لقد رحلت ولم انس عبارتك الشهيرة عند اغتيال احد ضباط الأمن السياسي في 2011م وأنت تقول إن مبنى الأمن السياسي بالمحافظة يجب أن يتحول إلى متنفس عام, وليس هناك حاجة لبقاء جهاز لا يحمي ضباطه من خطر الاغتيالات, وها أنت اليوم تلحق بهم ولازال جهاز الأمن السياسي عاجزا حتى عن تحديد أسماء وهويات من يقفون وراء اغتيال العشرات من ضباط ومشائخ المحافظة المغلوب على أمرها.
سنفتقدك ونفتقد معك شجاعتك وعفتك, لقد تركت فراغاً في المحافظة وياليت شعري من يسد فراغك, ومن يستطيع أن يثبت في الدوام كثباتك , كان ولازال الجميع مشغولون بالسفريات والنثريات وإدمان الراحة أما أنت فلم تكن كذلك بل كنت خير من يؤدى الأمانة وخير من يشغل هذا المنصب, عزائنا فيك كبير ومصابنا جلل, وسنصبر أنفسنا حتى نلتقي بك في جنة الخلد إن شاء الله
عارف العمري
ديان..وداعاً أيها البطل 1476