وأخيراً ومن بين العواصف والزوابع الخلاقة التي دُفعت إلى تركيا دفعاً من كل أنحاء العالم العاصف المتآمر على كل صوت حر يحاول شق طريق النور من بين كل تلك الزلازل بحثاً عن الإرادة والقوة وحرية القرار.
تلك الأزمات والدسائس والمكائد العاصفة الهوجاء تمخضت ربيعاً وردياً وعبيراً نقياً لا تشوبه شائبة ولا تحويه ذرة رماد أو حفيف ريح عاتية.
خرج أردوغان من حفرة النهاية التي حفروها له وأرادوا أن يوقعوه فيها بكل الوسائل والسبل خرج منها منتصراً ليصنع بداية جديدة لتركيا رائدة قائدة مساندة لكل الضعفاء وطلاب الحق في العالم ليضيف بذلك صفحة جديدة في مساره ومسار حزبه المليء بالبياض الناصع ..
معارضو أردوغان راهنوا كثيراً على الانتخابات البلدية بعد سلسلة الاتهامات والتسريبات المسربة التي كان بطلها مجموعة جولن والذي يعتبر التنظيم الموازي للدولة وهو المتوغل في معظم أجهزتها لكن رهانهم ما لبث أن يسقط مع أول صوت تفرزه لجان الانتخابات والتي جاءت بما لا تشتيه سفن كل أولئك لتظهر النتائج مكللة بتقدم باهر لحزب العدالة والتنمية فاق نتائج فوزه في انتخابات ألفين وتسعة بل ويعتبر الأعلى في تاريخ الحزب في الانتخابات.
انتصاراً لم يكن صنيع الصدفة أو الرغبة الشعبية في الاستقرار الأمني والاقتصادي بعد محاولات نشر الفوضى لإضعاف الحكومة هو انتصار لم يكن من أجل ذلك وحسب بل كان وليد حكمة ودهاء سياسي قل أن نرى مثيله في تجارب الإسلاميين السياسيين في العقود الأخيرة.
لقد نجح أردوغان في قلب الموازين رأساً على عقب نجح في تحويل كل الضربات الكفيلة في أضعافه إلى نقاط قوة يرتكز عليها مستقبلاً لينطلق بقوة أكبر من سابقتها تعامل مع كل مأزق ومشكلة بفكر سياسي مرن وبضربات استباقية أنهكت كل محاولات التشويه والنيل من هيبة الدولة ومعنويات رجالها.
هي تجربة فريدة من نوعها منذ بداية تولي الرجل لبلدية إسطنبول حتى وصوله إلى زعامة الحكومة في عام ألفين وثلاثة وحتى الآن تجربة تستحق التمعن والتدبر والاستفادة من كل معانيها وأدواتها التي أثبتت أنها الأنجع والأنجح في تمكين الأحزاب والحركات ذات الفكر الإسلامي خاصة بعد فشل محاولات اعتمدت على الوسائل التقليدية واللين في التعامل مع الخصوم بعكس مع أبرزه أردوغان من حزم وحسم بارز في تعامله مع معارضيه حتى وإن تطلب الأمر أحياناً الانجرار في سياق الهجوم المعنوي للخصوم والنيل من مصداقياتهم وشخصياتهم والخوض في معترك السياسة بكل ما به من شوائب تخرج أحياناً عن النص المعروف به الإسلاميين وكل ذلك جزء من اللعبة السياسية فالسياسة تستوجب كل الوسائل والسبل وأما العفة وحدها مع اللين والرحمة وحسن الظن بالأخر فما هي إلا مفهومات غير مستوعبة في قاموس السياسة ولعبتها المجنون بل وستكون كفيلة بالإطاحة بصاحبها أمام خصوم لا يعرفوا قيمة كل ذلك.
محمد أحمد عثمان
وانتصر أردوغان !! 1230