كأنهم قاموا بالانقلاب على الرئيس المنتخب من أجل ترقية أنفسهم.. فالسيد عبد الفتاح السيسي الذي منحه الدكتور مرسي ترقيتين متتاليتين، من لواء في عهد المخلوع إلى فريق، ومن فريق إلى فريق أول، ومن مدير للمخابرات الحربية إلى وزير للدفاع، ترقى بعد الانقلاب إلى رتبة المشير، بالمخالفة للتقاليد العسكرية، التي تقول إن هذه الرتبة تمنح لقادة الجيوش إذا انتصروا في معارك ميدانية، وعبد الفتاح لم يخض حرباً في حياته، وربما لم ير الحروب إلا في الأفلام التاريخية!
"المشير" عبد الفتاح السيسي، تقاعد بإرادته ليخوض الانتخابات الرئاسية، ليكون هذا القرار بمثابة طاقة القدر التي فتحت لرئيس الأركان صدقي صبحي، ليصبح فريقاً أول بقرار من "الرئيس المنتدب"، ثم يصبح وزيراً للدفاع، وما صار عليه هذا المنصب من تحصينات، بنص الدستور بحيث يجعل من الوزير، شخصاً فوق الحكومة، وفوق الرئيس، وفوق الدولة المصرية، فلا يمكن لأحد أن يعزله إلا بعد ثمان سنوات، ولمدة دورتين رئاسيتين، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الدساتير، ومنذ أن توصلت البشرية إلى مفهوم " الدولة".
"المنتدب- عدلي منصور" الذي تم أخذه من المطار، وهو العائد من قمة الكويت لاجتماع المجلس العسكري، مع أن "الصباح رباح"، سيقوم بالبصم أيضاً على ترقية صاحب الحظ رئيساً للأركان. وكأنه قبل الانتداب لموقع الرئيس من أجل مهمة ترقية القوم.
ويذكر أن الباب الذي يدخل منه الشيطان، في قانون السلطة القضائية، هو ذلك الذي يسمح للقضاة بالانتداب لجهات حكومية، وفي انتفاضة القضاة قبل الثورة، طالبوا بحظر انتداب القضاة للعمل في جهات حكومية، وفي فترة حكم الرئيس محمد مرسي لم ينتبه إلى ذلك، وانشغل حزب "الوسط" في مشروع قانونه، الذي ألبَ القبيلة القضائية على الرئيس، بالنزول بسن الخدمة للقضاة إلى الخامسة والستين بدلاً من المد الذي ارتفع بسن الإحالة للمعاش إلى مرحلة أرزل العمر!
كأن الأزمة في كبار السن فقط، وكأن القضاة الشباب هم عنوان العدالة مغمضة العينين، ولو تم التركيز على فكرة إلغاء الندب القضائي للجهات الحكومية، لوضع القضاة في "حيص بيص"، ولما استطاعوا أن يناضلوا في هذه الساحة.
لكن الرئيس كان ينتدب قاضياً من مجلس الدولة ألبَ عليه ندبه المجلس، بدوافع الغيرة، ولأن زملاءه وأساتذته رأوا الفتى لصغر سنة ومحدودية خبرته، أقل من أن ينتدب لموقع مهم هو رئاسة الجمهورية، التي كانت في عهود خلت تنتدب القضاة الكبار للعمل, ولقد كان المستشار جودت الملط منتدباً للرئاسة، إلى أن خرج على التقاعد، فجرى تعيينه رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات في عهد المخلوع.
"الغيرة" أنتجت أحكاماً قضائية عدائية، ومنها الحكم الذي حل تأسيسية وضع الدستور الأولي، واجتهد حكم الحل مع وجود نص خاص بعملية الاختيار.
الانتداب في العادة يتم لمهام قانونية، لكن لأن عدلي منصور محظوظ فقد جرى انتدابه وهو رئيس المحكمة الدستورية العليا لموقع رئيس الدولة، وهذه ترقية تضاف إلى سجله الوظيفي العادي، فلم ينسب إليه حكم من الأحكام التي تدرس في كليات القانون، ولم يسمع منه اجتهاد قانوني خلاق، ولم يكتب بحثاً في الفقه الدستوري ومآلاته، فهو موظف عادي ترقى ترقيات على قواعد "القسمة والنصيب" بدون حول منه أو ضرب في الأرض، إلى أن صار في أعلى منصب سياسي في البلاد، ودون أن يمارس السياسة في حياته، والقانون يحظر عليه الاشتغال بها!
وربما كان هذا "بيت القصيد"، فالرجل البعيد بحكم منصبه عن السياسة، صار في أعلى موقع سياسي، وبالتالي فما كان له أن يعترض أو يتململ إذا طلب منه أن "يبصم" على ترقية موظف من الموظفين الذين جاءوا به رئيساً، وأعني بذلك أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة رئيساً وأعضاء.
الرئيس محمد مرسي عرض على السيسي ترقيته لكي يكون رئيساً للوزراء، بجانب كونه وزيراً للدفاع لكنه اعتذر، مستمراً في تمثيل دور الزاهد الذي يصوم يوماً ويفطر يوماً، والذي يبكي وهو يصلي الظهر مع أنها صلاة سرية، لا يجهر فيها الإمام بتلاوة. فضلاً عن أنه كان قد أعد العدة للانقلاب، ليحقق مسلسل مناماته، التي وصلت لأربعة منامات, يحلم بأنه أصبح رئيساً، وفي اليوم التالي يحلم حلماً جديداً، بأنه أيضاً صار رئيساً.. وهكذا دواليك، وكأننا أمام المسلسل الإذاعي "عائلة مرزوق"، وهو مسلسل طويل الحلقات. لعل السيسي لو نام الآن لحلم بأربعة كوابيس تدور حول عزله من الرئاسة.
السيسي إذن كان يحلم بأعلى وظيفة في الدولة، وهي منصب الرئيس, لذا فقد اعتذر عن قبول عرض أن يكون رئيساً للوزراء قابلاً للعزل والإقالة، وعين منصور رئيسا، وهو الذي رقاه مشيراً، ثم رقاه مرشحاً ليكون رئيساً، فينال صدقي صبحي وغيره من الحب جانب.
صدقي صبحي قائد الجيش الثاني، قال مستنكراً وصف ما جرى في 3 يوليو بأنه انقلاب عسكري: إذا حصل السيسي على ترقية فهذا انقلاب.. وإذا ترشح فهذا انقلاب.. وترقى السيسي وظيفياً وصار مشيراً بقرار من " الرئيس المنتدب"، وترشح!
فثورة هذه أم انقلاب؟!
الوضع الطبيعي لانحياز القوات المسلحة للشعب، هو ما جرى في انحياز الجيش السوداني للثورة الجماهيرية العارمة ضد جعفر النميري, وقد نظر إلى سوار الذهب على أنه أمام موقف من مواقف الضرورة، والضرورة كما قال الفقهاء تقدر بقدرها، وعليه فقد انحاز للشعب السوداني، وأجرى واحدة من أنزه الانتخابات في العالم، فأكد للدنيا كلها أن ما حدث هو ثورة شعبية وليس انقلاباً عسكرياً.
بيد أن السيسي كان دافعه للانقلاب هو أن يكون رئيساً وتم استدعاء الجماهير للقيام بدور على المسرح، وقال السيسي في بيان الانقلاب، إن الجيش يعي أن الشعب لم يستدعه لسلطة أو لحكم، وقال إنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية حتى لا يقال أن الجيش تحرك من أجل مصالح شخصية!.
والمعنى أنه ربط بين التحرك لمصالح شخصية وترشحه للرئاسة.. فها هو يترشح ليتأكد أن التحرك كان لمصالح شخصية!.
بيد أن هذا ليس هو الموضوع ..
الموضوع أن الانقلاب مكن من قاموا به، للاستفادة منه، بعملية الترقي الوظيفي.. التي بدأت بمنح رتبة المشير للفريق السيسي، وأمس، وفي يوم الأربعاء الموعود كانت حركة الترقيات الكبرى، التي ستتبعها حركة جديدة.. فمن حضر القسمة فليقتسم.
سليم عزوز
ترقية السيسي وإخوانه..ثورة أم انقلاب؟! 1301