حيثما يسود الظلم وينتشر الفساد في المجتمع، ويتسلط ويتغطرس الحاكم ويتبختر ويرقص على رؤوس الثعابين، ويعمل على شراء الذمم بأساليب مختلفة، وينهب الثروات الوطنية، ويوزع السلطة حسب إرادته (احتكار السلطة) ويحافظ على مصالحه الشخصية دون النظر إلى المصلحة العامة، حينها تجد أن الضرر الكبير يقع على الكثير من أبناء الوطن، مما يفضي إلى تدمير آمال وتطلعات السواد الأعظم من الناس الذين فقدوا مصالحهم وازدادت معاناتهم وسلبت حقوقهم الشرعية وحرموا من المشاركة الحقيقية في إدارة شؤون البلاد، مع هذا فإن المواطنين قد يأسوا من يأس من محاولات تغيير نظام الحكم عن طريق الانتخابات نظراً للتزوير الذي يحدث أثناء إجراء عملية الانتخابات العامة واستخدام جميع إمكانيات الدولة للتأثير على الناخبين لصالح الحزب الحاكم فقط.
فقد أدى ذلك إلى دفع معظم القوى السياسية والاجتماعية إلى المطالبة بحقوقهم، ورفع الظلم وتغيير النظام الحاكم، وكذا إلى توسيع دائرة المعارضة، وبناءً عليه زادت الفعاليات السياسية وتلاحقت المظاهرات والاعتصامات وقد نتج عن ذلك قيام الثورة الشعبية السلمية في 11فبراير2011م بهدف معالجة الوضع السياسي وتغيير نظام الحكم.
وحينها برزت ملامح التغيير تلوح في الأفق وهنا لابد من الإشارة والتذكير بوسائل التغيير عبر التاريخ الحديث وهي على النحو الآتي:
v التغيير بالانقلاب العسكري
v التغيير بالثورة المسلحة (الكفاح المسلح)
v التغيير بالثورة السلمية (الربيع العربي)
v التغيير بالتدخل العسكري الخارجي من الدول الكبرى.
ـ وتعتبر الثورة السلمية تجربة جديدة من الثورات، ظهرت مع ثورات الربيع العربي ومهمتها صعبة ومعقدة وتكلف الكثير من الجهود والوقت والمال، وقد تستمر فترة طويلة لبلورتها ولمعرفة مضمونها ومحتواها، وذلك لأنها تستند على النضال السلمي لتحقيق أهدافها وكذا على الحوار والتوافق الوطني وتجسيد مبادئ الحرية والعدالة، وتقبل بالتحولات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية، وتراعي مصالح الجميع وتدعو لمشاركة كافة القوى في بناء اليمن الجديد.
بينما الثورة المسلحة تعتمد في عملية التغيير على الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها وتنتهج التغيير الجذري لجميع قواعد النظام السياسي القائم، بل تعمل على اجتثاثه بقوة السلاح وبدون هوادة، وهذا ينتج خسائر بشرية ومادية كبيرة جداً.
لذا يعتبر التغيير عن طريق الثورة السلمية كأفضل الأساليب التي يمكن اتباعها لمعالجة الوضع السياسي الملتهب وخاصة في ظل غياب المؤسسات الوطنية الشرعية وفي إطار المتغيرات القائمة آنذاك، وذلك لكونها تستند على النضال السلمي والتوافق الوطني لكافة القوى السياسية والاجتماعية.
وجاءت المبادرة الخليجية لتعالج الوضع السياسي المتفجر، وإجراء عملية التسوية السياسية بين الطرفين (السلطة والمعارضة) إلا أن ذلك اقتصر على تقسيم الحقائب الحكومية فقط بينما ظلت عناصر النظام السابق تسيطر على المفاصل الأساسية للسلطة في المركز والمحافظات وحتى الآن.
وهنا لابد من التوازن بين كافة القوى السياسية والاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وضرورة منح كافة القوى الثورية حق المشاركة في إدارة شؤون البلاد وعلى كافة المستويات، وبما يضمن تحقيق الأهداف الثورية وترتيب أوضاع العناصر الشريفة والنزيهة والقادرة على تنفيذ المهام في وظائف قيادة، كلما سنحت الفرصة لذلك أو عند وجود الوظائف الشاغرة أو المستحدثة أو غيرها من الوظائف التي أضحت قابلة للإحلال الوظيفي من جراء تنفيذ قانون الضمان الاجتماعي وقانون التدوير الوظيفي.
وجاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل لينتج وضعاً جديداً، وليجسد التوافق الوطني رغم أنه لم يأتِ عبر الإرادة الشعبية إلا أنه كان يمثل جزء من المعالجة المناسبة والممكنة في حالة الظروف المحيطة والخطيرة آنذاك، وقد برزت حالة سياسية ضبابية امتزجت فيها الشرعية الثورية مع الشرعية الدستورية ومع الشرعية التوافقية مع الشرعية الدولية وهذا يعني أن لدينا أربع شرائع في زمن واحد.
لذا قد تبرز عدد من الإشكاليات في الفترة القادمة أهمها:ـ
1. عدم معالجة الوضع الأمني بصورة جذرية، وبما يضمن تحقيق الاستقرار الدائم للمواطنين وتنمية اقتصادية فاعلة.
2. ظهور خلاف حول جوهر التشريعات الاتحادية والجهات المخولة بإعداد المنظومة الدستورية والقانونية الخاصة بالدولة الاتحادية المنشودة والأقاليم التابعة لها.
3. استمرارية بعض القوى التقليدية في فرض إرادتها على الواقع، تمهيداً لحصولهم على مصالح أفضل في إطار الدولة الاتحادية القادمة.
4. عدم إبعاد الفاسدين من وظائفهم وحسب القانون.
5. عدم تحقيق الأهداف الثورية ومعالجة قضية الشهداء والجرحى والمعتقلين والمختطفين بشكل عام.
6. ظهور خلاف حول بعض اختصاصات مجلس النواب.
لذا ينبغي معالجة جميع القضايا المحلة وفي مقدمتها إصدار الدستور في أقرب وقت ممكن والعمل على إزالة العراقيل التي تعترض عملية التحول الديمقراطي وإشراك القوى الثورية في بناء اليمن الجديد. نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والصلاح.
محمد صالح الجدي
القوى الثورية وإشكاليات التغيير 1233