حين اقتضت طبيعة المرحلة اللاحقة لمؤتمر الحوار الشروع في إطالة المدد الزمنية للرئيس والحكومة والبرلمان وبالتالي ترحيل الاستحقاقات الانتخابية، توقع كثيرون أن يتم الوقوف على إخفاقات مرحلة السنتين ونقاط السلب والترهل في مجمل الأداءات الرئاسية والحكومية وصولاً إلى الاقتراب من تطلعات الباحثين عن مستويات أعلى من الإنجاز.
لتعليلات تتصل بالتشاركية الراهنة في التوليفة الوزارية ووقوفها كحائل دون تطوير الأداءات الحكومية، اتجهت الأنظار صوب الرئيس هادي باعتباره يبدو أكثر تحرراً من كوابح التوافق التي يسوقها البعض كذرائع لتبرير إعادة إنتاج الترهل الحكومي الذي ساد خلال العامين الآنفين وبات في طريقة ليكلل المدد الزمنية المتبقية.
التعويل على تقييم الأداءات الرئاسية بدا توقعاً طافق الحضور بالنسبة لأولئك الذين لا تروق لهم عبارة لم يكن بالإمكان أبدع مما كان.
إعادة انتتاج إخفاقات العامين على الصعيد الرئاسي مثل بالنسبة لقطاع واسع من المتفائلين محض فشل لا ينسجم مع طبيعة الإسناد الخارجي ذي الطابع الاستثنائي الذي حظي به الرئيس هادي كما لم يحظَ به رئيس دولة من دول العالم الثالث من قبل.
في تعليلات هؤلاء، ثمة مقومات شتى تجعل من "رئاسة التمديد" المفروضة بفعل ترحيل الاستحقاقات ذات قابلية كبيرة لتطوير الأداءات وصولاً إلى تأكيد أحقية التمديد في صورة إنجازات وأعمال ماثلة على الأرض.
مع أن تموضع "البطة العرجاء" الذي عادة ما يصيب الرئيس الأميركي في ولايته الثانية بفعل التغيرات الطارئة على أغلبية الكونجرس، كان شبحاً يتهدد الرئيس هادي في "ولاية التمديد" التي جرى استهلالها عقب انقضاء مؤتمر الحوار، إلا أن الإرادات الدولية الداعمة والمساندة والمعاضدة لم تسمح بضعضعة الموقف الرئاسي وبالتالي تحويل "رئاسة التمديد" إلى محض تسيير لشؤون الدولة لحين بلوغ أعتاب الاستحقاقات الانتخابية.
مازال هادي واقعياً وعملياً يتمتع بكل السلطات التي حظي بها عقب الاستفتاء على رئاسته قبل عامين، ولم تتسبب نظرية اكتساب مشروعية البقاء من التوافق السياسي في أي إبطاء لخطواته أو تعطيل لسلطاته وصلاحياته، ليس هذا فحسب بل إن تموضعه الراهن وتمريره للعديد من القرارات الاستراتيجية بات يوحي لكثيرين أن سلطات "رئيس ما بعد التمديد" أضحت أكثر تعزيزاً وقوة ولم تطلها يد التضعضع بفعل انقضاء المهلة الزمنية لمشروعية الاستفتاء الانتخابي.
بين شرعية الانتخاب وشرعية الإنجاز
كانت التوقعات تشير إلى أن الرئيس الذي يبدو حريصاً على وضع بصماته في شارد القرارات ووارد السياسات سيتجه لإجراء تقييم واسع للإخفاقات التي صاحبت مسيرة العامين المنقضية وصولاً إلى رفع مستويات العطاء والإنجاز كأقل تعبير عن استبدال شرعية الانتخاب بشرعية الإنجاز.
غير أن الأنماط الأدائية التالية لانقضاء مشروعية الانتخاب أظهرت الرجل كما لو أنه لا يحبذ الوقوف على جردة حساب المثالب والإخفاقات مفضلاً الركون إلى نهج السير بذات الخطى التي كانت عنواناً لعامين من الإدارة النمطية الخالية من استثناءات إبداعية شافعة لحجم الأخطاء والإخفاقات البائنة.
محفزات من قبيل استدامة البقاء في تموضع الرجل الأول لم تفلح هي الأخرى في تحفيز هادي على تحقيق إضافات نوعية منذ بدء العد التنازلي "لولايته التمديدية" الأمر الذي بات يظهر الرجل كما لو أنه قد بلغ مستويات متقدمة من الرضا عن الذات والإنجازات في ظل انتقادات ترمق أدأاته بنعوت المحدودية في الاقتراب من تطلعات الجماهير.
إلحاق جانب من السلطات الحكومية إلى جبعة الصلاحيات الرئاسية إثر التهميش الرئاسي لحكومته الوفاقية ورئيسها، لم يثمر هو الآخر عن بروز نتائج ملموسة شافعة لسلطة رجل يستمد مشروعية بقاءه من الإسناد الخارجي والتوافق الداخلي.
ثمة اعتقاد يقيني لدى هادي بأن المشروعية الشعبية التي زالت بفعل ارتباطها بتزمين معين (العامين الماضيين) مازالت حاضرة وتمنحه امتياز التفرد بالإدارة دونما اعتبار لمشروعية الإنجاز أو حتى رجوع إلى مشروعية التوافق الصانعة لنظرية التمديد الفارضة لترحيل الاستحقاقات.
في قراراته الأخيرة، لجنتي تحديد الأقاليم وصياغة الدستور نموذجاً، بدا هادي شديد الميل إلى إضفاء بصماته الخاصة في الانتقاء والاختيار دون إقامة وزن لآراء ومواقف الشركاء، وهو موقف دفع أطرافاً سياسية إلى إعلان تحفظاتها بشأن مستويات التمثيل وتغييب بعض الأطراف من معادلة الحضور في الإطارات واللجان الناظمة لمخاضات الدولة الاتحادية المنتظرة.
جمع الإزاحات لصالح المراكز الصاعدة
مع أنه يبدي ميولاً نحو إضفاء الطابع المؤسسي على عدد من القضايا التي يخشى من تداعيات التفرد بحسمها، إلا أن ثمة أطرافاً تشكو من إقصاءات رئاسية سالبة لحضورها التفاعلي في صناعة السياسات بموازاة تفويضات لدوائر ومطابخ شديدة الاقتراب من الرجل الأول.
آراء عدد من رجالات البلاط الرئاسي تبدو أحياناً أكثر فاعلية في تمرير القرارات والسياسات أكثر من أولئك الذين يملكون استحقاقات تشاركية تمنحهم امتياز إبداء الرأي والمشورة والاقتراح لرئيسهم التوافقي.
أحياناً لا يكون بمقدور صُناع فعل التمديد تمرير قرارات أو التأثير في صنع سياسات بذات درجة القدرة التي يمتاز بها لفيف من حواشي البلاط والمقربين الذين لا تنفك الأحداث تؤكد قدرتهم على إمضاء رغبات ذاتية وتسيير الدفة الرئاسية وفق غايات وأمزجة وأهواء تتغيا جمع نواتج الازاحات التي طالت مراكز قوى تليدة في بوتقة مراكز نفوذية صاعدة تتسارع خطاها حيناً وتتوارى لالتقاط الأنفاس حين ترتفع أصوات النقد المناوئة.
في ملفات الجنوب تتخذ بعض الأطراف من تموضع "المتفرج الناصح" أسلوباً في التعاطي مع رغبات هادي ورجال بلاطه في إعادة تشكيل خارطة القوى والتوازنات بما يتناسب مع غايات التحكم والتفرد في تخليق اتجاهات النفوذ الراهنة وصولاً إلى التحكم في مساراتها لاحقاً.
ومع أن أطرافاً سياسية باتت تتخذ من المرونة نهجاً في التعاطي مع طموحات الأطواق المحيطة بالبلاط الرئاسي وتمنحها الحق في تمرير الكثير من طبخات الانفراد، غاضةً الطرف عن بعض التكتيكات ذات الطابع الاستحواذي، إلا أنها حين تضيق ذرعاً بتوغلات رجال البلاط لا تنفك تعبر بطرائق شتى عن غيض من فيض شعورها بالضيم والتحجيم المتعارض مع موجبات الشراكة السلطوية.
تثبيط رجال البلاط الرئاسي.
بعض إفرازات غيض الفيض باتت تميل إلى تحميل رجال البلاط الرئاسي جانباً واسعاً من التكتيكات الرئاسية الراهنة التي لا تلقي بالاً لنداءات ومطالب شرائح اجتماعية واسعة ما انفكت حقوقها تتعرض لطائلة التعدي دونما بصمات رئاسية رادعة تكفل تعزيز حضور الدولة الحافظ للحقوق والحامي لموجبات التعايش.
حين يتعلق الأمر بالذود عن صنعاء وردع العدوان الحوثي المتمدد طولاً وعرضاً في هضاب الشمال وانثناءاته الجبلية تكتسب رغبات رجال البلاط حضوراً لافتاً في تحديد اتجاهات رد الفعل الرئاسي إزاء المطالبات العديدة التي ما انفكت تنادي عصا الدولة بمبارحة ثكنات الانتظار التي استطال بها المكوث فيها دونما أمل في خروجها لبسط يد الدولة واحتواء شهوة التوسع الحوثية التي لا يبدو أنها ستستثني أحداً.
تستند رغبات رجال البلاط في واقع الأمر إلى معطيات لا تقيم وزناً لتداعيات تبدو شديدة التغييب عن منطق الحسابات الدقيقة، بالنسبة لهؤلاء تبدو غاية تخفيض مستويات النفوذ والقوة بحق منظومات النفوذ القديمة هي الدافع الرئيسي لتثبيط أي مؤشرات على ارتفاع عزيمة الرئيس للانتصار لنداءات واستغاثات المتضررين من آلة التمدد الجاهلية الحوثية.
لحسابات تتعلق بوعود وتعهدات حوثية تتعارض مع وقائع التمدد الماثلة على الأرض، لا يرى بعض رجالات البلاط في الزحف الجاهلي الحوثي خطراً داهماً يستوجب النكوص المؤقت عن غايات التحجيم والتخفيض واستبدالها بنهج التعاضد مع القوى القديمة لدرء خطر يوشك أن يهدد عاصمة الحكم وكرسي الرئاسة.
غالباً ما يتعاطى هؤلاء مع أي مؤشرات عن الحمية الرئاسية بمنطق التثبيط بدعوى "خليهم يتقاتلوا وإحنا بنتفرج" وكأن فعل القتال هنا يحدث في جمهورية واق الواق ولا يطال بتأثيراته السلبية مطبخ الرئاسة الذي يبعد عن جولات الإحتراب بنحو ثلاثين كيلو متراً فقط..!.
المفاوض الضعيف يستجدي رجل المنامات
بما أن تغولات رجال البلاط الرئاسي تعد إحدى إفرازات العامين المنصرمين، فإن حالة انعدام التقييم الرئاسية للإخفاقات تمنح هؤلاء مزيداً من الاستشراء في اتجاه الحفاظ على تموضعات الحياد والفرجة الرئاسية وعدم القيام بموجبات التدخل التي تدرأ عن الجميع ويلات يوم يراد له أن يكون مشؤوماً على قاطني العاصمة صنعاء.
غايات تخفيض نفوذ وقوة بعض مراكز القوى القديمة باتت تضع ضباباً في رؤية مخاطر لا تبدو بائنة بالنسبة لرجال بلاط ما انفكوا يسعون جاهدين لعقد يدي الرجل الأول ورجليه عن النهوض إلى تأدية واجبات الدولة إزاء توسع عسكري محموم ومحكوم بهواجس ولاية البطنين ونظريات العبد والسيد.
الحديث عن تغولات رجالات البلاط الرئاسي يتناسب طردياً مع حضور الإخفاقات في أداءات الرئيس هادي وأساليب إدارته لمختلف الملفات، فحين يتعلق الأمر بالتوسع الحوثي مثلاً يجد المرء دون عناء إن بصمات أساطين البلاط من مقربي هادي ورجاله قد وصموا شوكة الدولة بالترهل والضعف وقلة الحيلة رغم أنها في واقع الأمر ليست كذلك.
النكوص عن القيام بواجبات الدولة في مواجهة المد الجاهلي بات يُظهر الرئيس المستأسد بإرادات وإسنادات الدول العظمى في تموضع "المفاوض الضعيف" الذي يستجدي بوسطائه رجلاً تقوده المنامات والرؤى الليلية لمزيد من سفك الدماء والتمدد في الهضاب والقفار والجبال طولاً وعرضاً دون حسيب أو رقيب.
نزعة الاستئثار بميراث المراكز النفوذية المتضررة بفعل المد الحوثي الغاشم باتت تقود الرئيس هادي لا شعورياً لبلوغ إحدى نهايتين فإما –في أسوأ الأحوال- القبول بالتحول إلى حاكم صوري في ظل هيمنة حوثية على عاصمة ما بعد الاجتياح على طريقة فارس مناع في صعدة، وإما التأهب للنزوح إلى عدن وهو بالمناسبة تلويح لطالما لجأ إليه الرئيس عبدربه منصور هادي لترويض أي تعارضات سياسية مناوئة لقراراته وسياساته.
الرئيس نائم..!
يساور كثيرين القلق حين يقال لهم أن الرئيس نائم..!، السبب الذي يبدد ضباب العجب يكمن في أن استغراق الرجل في النوم يعني أن رجالات البلاط هم من يديرون الأمور بالنيابة لحين استفاقة الرئيس على وقع أنباء "الفتوحات الحوثية الجديدة" التي باتت تصيب هيبة الدولة في الصميم.
استشعار القلق والتوجس لا يلبث أن يتوارى تدريجياً بجرعات التخدير التي دأب وزير الدفاع وبعض رجالات البلاط على تجريعها بهدف توفير أوليات الحماية والإسناد لولاية البطنين التي تتهيأ الأجواء لعودتها وسط حالة من التبلد والاستسلام الباعث على الدهشة.
كادت جرعات الوزير الذي تحركه دوافع الغيض من أحد الجنرالات تنجح في إبقاء الرئيس هادي داخل تابوت السبات لولا بيان الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية الذي بدى شبيهاً بإلقاء "دلو من الماء البارد" على رجل مستغرق في أحلام إغفاءة عميقة.
ثمة من يتساءل: ماذا لو أن الدول العشر لم تحذر من مغبة الزحف الجاهلي الذي يتهدد عاصمة الدولة، هل كان هادي ليتخذ خطواته الدفاعية الأخيرة التي جاءت على استحياء، أم أنه سيظل أسير إغفاءته التي كان يمكن أن يصحو منها على وقع خطى مسلح حوثي يقول له: سير جاوب سيدي عبدالملك..!!
وماذا بعد
المألات التي بلغتها الأمور بفعل التغاضي عن إخفاقات مرحلة العامين، تفرض على الرئيس هادي إجراء تقييمات عاجلة وصولاً إلى الحد من الحضور الطاغي لبواعث الإخفاق في اداءاته الراهنة.
الإبقاء على مستوى تأثيرات رجالات البلاط الرئاسي لا يبدو سلوكاً حكيماً بالنظر إلى ما حاق بسمعة الدولة من تضعضع في الهيبة وترهل في الموقف وضعف في التفاعل ونكوص عن المبادأة.
وبما أن الحديث عن تطعيم رجال البلاط بشخصيات أخرى تكفل الموازنة في اتجاهات التأثير على القرارات والسياسات الرئاسية يبدو بالنظر إلى –واقع الأبينة في تموقعات الحواشي والمقربين- ضرباً من اللا جدوى فإن هادي يبدو شديد الاحتياج للإنصات إلى أصوات أخرى توقظ في دواخله الشعور بالمسؤولية إزاء المخاطر اللائحة وتحفزه على أن يكون في مستوى تطلعات ناخبيه الذين ينتظرون منه الكثير في اتجاه تكريس حضور الدولة وفرض نفوذها واستعادة هيبتها المفقودة على وقع مشورات الحواشي والمقربين التي كادت أن تمنح العاصمة للحوثي على طبق من ذهب.
ليس بوسع الأيادي المرتعشة الاقتراب من تطلعات الجماهير، مقولة تفرض على الرئيس هادي أن يعيد النظر في نهجه الراهن وصولاً إلى تطوير أداءاته باتجاه الاقتراب من "شرعية الإنجاز" التي يفترض أن تكون هي المحفز الأساسي لأداءات رجل ستسأله الأجيال عن كثير من المألات التي يتجه إليها الوطن.
لا أظن أن هادي يريد للتاريخ أن يصمه -في ثنايا صفحاته- بذلك الحاكم الذي سلم عاصمة حكمه لمد جاهلي يريد لغابر الأزمان أن تسود وتعود في صورة سيد يدعي استحضار إشراقة الإمام علي في كل خطوة يخطوها.
تغير الموقف الرئاسي في شأن مخاطر الزحف الجاهلي لا يبدو في واقع الأمر كافياً للادعاء بأن ثمة تطويراً قد طال مجمل الأداءات الرئاسية.
ثمة أمور شتى تتطلب مراجعات رئاسية شاملة بهدف تحجيم إخفاقات مرحلة السنتين وصولاً إلى أداء يجعل الرجل مستحقاً لبرهة التمديد التي منحته الفرصة لاستكمال مسيرة يُراد لها أن لا تتصف بإنجازات ترتقي إلى مستوى التطلعات وكفى.
حسين اللسواس
أداءات رئيس ما بعد التمديد في ميزان التقييم.. حين ينام الرئيس يتغول رجال البلاط 1330