قليلة هي الأيام التي تخلد ذاتها في تاريخ البشرية, وتجدد ذكرياتها دون خوف من بطش جبار أو سوط سفاح, تبدوا عصية على النسيان ولا تمحي ذكراها الأيام والسنون, وتستمد قوتها من قوة الموقف المصاحب الذي أحدث تغيراً في مسار التاريخ سواء كان في حياة أمة من الأمم أو شعب من الشعوب.
ثمة محطات وذكريات مؤلمة وأخرى مبهجة في تاريخ ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية التي توجت بانتصار الثورة وسقوط نظام الأسرة الواحدة, من تلك المحطات 11 فبراير الذي لا يقل أهمية عن يوم السادس والعشرين من سبتمبر, وكذلك 18 مارس اليوم الذي سالت فيه دماء اليمنيين بأيدي قوات كانت تستمد أوامرها العسكرية من قائد الحرس الجمهوري وأركان حرب الأمن المركزي حينها, ومن تلك المحطات التي تعد من محطات الانتصار للثورة الشبابية يوم 21 مارس اليوم الذي قلب موازين القوى وأصبح للثورة سندها العسكري وحماتها الأبطال, ثم تأتي محرقة تعز ومجزرة كنتاكي والقاع والملعب كمجازر دموية كشفت سوءة الحكم العائلي وعمد دم شهدائها تاريخ الثورة الشبابية السلمية, ويأتي في سياق ذلك يوم 21 فبراير الذي خلع فيه الشعب الجلاد تمهيداً ليمن جديد تسودها قيم الثورة والحرية.
ليس المقام هنا مقام التتبع لمراحل الثورة المباركة بقدر ما هو مقام التذكير بأبرز حدث يتزامن مع كتابة هذا المقال وهو يوم 21 مارس الذي سيظل علامة فارقة في تاريخ اليمن المعاصر, ونموذج رائع من نماذج انحياز الجيوش الحرة لخيارات الشعب التي تتوق إلى حياة الديمقراطية والاستقرار.
لم يكن يوم 21 مارس حدثاً عابراً بل حدثاً هام تابعه العالم بأسره ووقف السياسيون مدهوشون طيلة ساعات طويلة لما يجري في اليمن, ففي الوقت الذي رأى فيه شباب الثورة ذلك اليوم عودة للكرامة اليمنية إثر مجزرة أقشعرت لها الأبدان, رأى فيه الساسة والمثقفون شهادة وقادة لنظام بلغ من العمر عتياً, لقد كان ذلك اليوم هو اليوم الذي نقل الثورة من محيطها المحلي إلى المحيط العالمي الأوسع, وكان بطل ذلك اليوم هو الجنرال العسكري/ علي محسن صالح.
بدأ تصرف علي عبدالله صالح بعد ذلك وكأنه تصرف قائد عصابة لا أكثر, ولم يعد حاكماً شرعياً لليمن بقدر ما أصبح حاكماً لميدان السبعين الذي تعود أن يرتجل خطبه السياسية بعد كل جمعة من هناك, وبدء صالح في معزل عن المجتمع الدولي الذي اتجه سفرائه نحو قائد أنصار الثورة وأصبح مبنى الفرقة هو البديل الأنسب للقصر الجمهوري ودار الرئاسة.
وإذا كانت الجيوش العربية في أكثر حالاتها داعمة للديكتاتورية والانقلابات الدموية فإن الجيش في اليمن سجل حالة نادرة قلما تتكرر وكانت هي التوأم الوحيد للجيش التونسي في الربيع العربي الذي وقف إلى جانب الشعب وخياراته السلمية.
إن ذكرى 21 مارس هي محطة يجب أن يقف عندها العسكريون كثيراً ليعرفوا جيداً أن التاريخ الناصع البياض لمن يقف مع الشعب لا من يقمع الشعب ويلتف على خياراته الوطنية.
لقد وقف الجيش وقادته درعاً حصيناً أمام كل ما يحاك للثورة من الدسائس والمؤامرات, وتعرض قادته لعمليات الاغتيال مراراً وتكراراً وأطلق الإعلام الموالي للنظام المخلوع أكبر حملة لتشويه ذلك التاريخ الجميل لقائد أنصار الثورة, وبرغم هذا وذاك ظل قائد أنصار الثورة عند حسن ظن الثوار به, وانتزع لهم دولة مدنية من فك ديكتاتور وبدأت الأحلام تتحقق على الأرض شيئاً فشيئاً، لأن هناك من أؤتمن على تلك الأحلام، فكان صادقاً في أمانته وقاد سفينة الثورة إلى شاطئ النصر .
في ذكرى ذلك اليوم أقول شكراً لك أيها القائد الذي قدمت للثورة ما عجز عنه الآخرون, شكراً لك يا من أعدت البسمة إلى وجوه الصغار وأمهات الشهداء وزوجاتهم, بعد تحقيق حلم الشهداء في إقالة العائلة من الجيش, لقد دخلت هذه الثورة عظيماً وغادرت منصبك السابق عظيماً, وتصرفت كما يتصرف الكبار, ونحت تاريخك العظيم على صخرة العز وجعلت من سيرتك حديث الأيام والليالي, أبهرت الجميع بعظمتك وأجبرتهم جميعاً على احترامك والانحناء احتراماً أمام مواقفك المشرفة التي لا ينساها التاريخ.
عارف علي العمري
مسيرة الجيش في ذكرى التأييد للثورة 1094