حينما يغوص الإنسان في أعماق القضية الجنوبية يدرك يقيناً بأن المشكلة لا تكمن في شعب الجنوب الثائر الصبور، بل تكمن المشكلة التي أنتجت حالة انسداد سياسي يلف الساحة الجنوبية عموماً ،تكمن في أن بعض القوى الثورية الجنوبية أضحت تائهة في صفحات الماضي المَقيت وكأنها في صراع مع الموت في أدغال إفريقيا للخروج من غابات مليئة بالذكريات الأليمة المحزنة أشبه ما تكون بما يلاقيه الإنسان الذي أضاع طريقه في تلكم الغابات .حالة الوحدة الفكرية والميدانية التي يشهدها شعب الجنوب اليوم لا مثيل لها في تاريخه السابق على الإطلاق ،حيث سطر شعب الجنوب وحدة شعبية حقيقية من خلال مشاركته في المليونيات المتعاقبة على أرضه ،وخروجه بزخم قوي وكثافة بشرية تحت هدف واحد في كل الفعاليات والمهرجانات ،ممّا يؤكد للجميع بأن شعب الجنوب واحد موحد لا يواجه خطر الانزلاق نحو التشرذم والتقوقع السياسي المتباين .الكثيرون سيتفقون بأنه لا ثمة مشكلة في ما يتعلق بالجانب الشعبي والحاضن الاجتماعي العريض للثورة الجنوبية ، ذلك أن حقيقة المشكلة تدور بين بعض المكونات الميدانية الجنوبية بعيداً كل البعد عن الشارع الجنوبي الذي لم ينجر خلف هذه المناكفات السياسية التي تأتي في غير وقتها .هناك قوى ثورية جنوبية لا تتعمد الخلاف أو تبحث عنه بالمجاهر المكبرة بل وقعت دونما إرادتها في مربع الصراع الميداني وليس الفكري لأنه لا يوجد فصيل جنوبي يرفع شعاراً مخالفاً للتحرير والاستقلال؛ إذ أن الكل متفق على هذا الشعار ، ولكن نقاط الاختلاف -إن جاز التعبير - تتمحور حول قضايا إدارية سطحية ليست بذات أهمية بحيث تجعل منها بعض القوى أهم تحدٍ يواجه وحدة الجنوب, في حديثٍ مُبالَغ فيه بعض الشيء .على الجميع أن يطمئن بأن شعب الجنوب لا يعاني الاختلاف على الإطلاق ، وما حالة الاصطفاف التي شاهدناها حول الهبة الشعبية إلا خير ما يؤكد على وحدة شعب الجنوب وتراصه خلف خيار التحرير والاستقلال .وأما هذه الإشكاليات البسيطة التي طفت على السطح الجنوبي الآن ما هي إلى نتائج طبيعية تتولد من رحم المعاناة والأسى التي تعيشها المكونات الثورية الجنوبية ،بسبب همجية وعنهجية النظام القائم في صنعاء الذي لم يترك سبيلاً إلا وسلكه لإيذاء شعب الجنوب وتكريس معاناة مكوناته الميدانية المتنوعة. ولعل أنجع أسلوب ووسيلة لكل المكونات الثورية الجنوبية لتخطّي حالة الخلاف التي تشهدها بعض القوى هو القبول بمبادرة المجلس الأعلى للثورة الجنوبية والتي أعلنها خلال اجتماعه اليوم الجمعة في العاصمة عدن ،حيث تضمّنت هذه المبادرة عناوين جوهرية لخلق أفق سياسي وميداني جديد للثورة الجنوبية وإعطائها بُعدها الجنوبي الجامع والشامل من خلال الاتفاق مع كل القوى السياسية الجنوبية المؤمنة بالتحرير والاستقلال على بلورة رؤية وطنية أو ميثاق شرف جنوبي للتوافق عليها وتقديمها للعالم أجمع باعتبارها تحمل هدف واضح ورؤية الجنوبيين عموماً لمسألة التحرير والاستقلال .نأمل من كل مكونات الثورة الجنوبية أن تستجيب لهذه المبادرة الكريمة التي من شأنها أن ترسم للجنوب خطاً واضحاً مستقيماً نحو هدفه، وتلم شمل جميع القوى تحت مظلة إدارية وسياسية وميدانية واحدة ، وهو ما يحلم به شعب الجنوب .نتمنى من كل القوى أن تحقق حلم شعب الجنوب من خلال قبولها بهذه المبادرة ، قبل أن تطالب نظام صنعاء بتحقيق حلمنا جميعاً بالتحرير والاستقلال.
عبد الجبار عوض الجريري
القضية الجنوبية.. 1051