لعل عقلية احتقار الشراكة ومبدأ «أنا الأقوى» هي التي فاقمت نفور الناس من الإصلاح إلى جهة الحوثي في مناطق شمال الشمال؛ غير أن هذه العقلية هي التي تقود إلى نفور الناس من الحوثي الذي يقع في ذات الخطأ بكل عنجهية؛ بل وباستخفاف مضاعف.
المفارقة أن الحوثي يدين تغرير السلفيين بصغار السن مثلاً وتجنيدهم للجهاد؛ بينما هو يقوم بنفس المنطق كما تشير عدّة دلائل.
كذلك نرى أن الحوثي الذي ينتقد سيطرة قبائل موالية لخصومه القبليين والمذهبيين على الطرقات؛ يقوم بنفس الدور المسيطر على هذه الطرقات بمجرد ما تقود المواجهات بينه وبينهم إلى انتصاره.
والحاصل أن حركة الحوثي تكوّنت إثر الفرض والإجبار والحصار المذهبي؛ إلا أنهم صاروا يتّبعون نفس الإجراءات ضد من يخالفونهم؛ ملوّحين بالقوة.
فضلاً عن ذلك نقول إنه إذا كانت بعض القوى تستغل القبيلة وتعمد على تجهيلها؛ فإن الحوثي يفعل ذلك وأكثر مُضمراً استحقار المدنية التي لطالما زايد بها.
في السياق لطالما قلت إن بيننا والإصلاح تخلف، وبيننا والحوثيين تخلف وعنصرية؛ وإذا كانت القبلية والعسكرية والدينية هي العدو الأبرز لمشروع التقدم والتطور وحدثنة البلد؛ تماماً كما كانوا طوال عقود، فإن الحوثي الذي يشتاط تهافتاً لأضغاث الملكية وتصنيم الاصطفائية هو عدو هذا المشروع مرتين لا شك؛ المعنى أن الوسيلة تكشف الغايات جيداً.
لكن المفارقة الأكبر هي أن الحوثي وهو ينتقد ما يسمّيه «عدم نفوذ الدولة على مناطق خصومه القبليين والمذهبيين» يرفض أن يكون للدولة أي نفوذ حقيقي في المناطق التي يهيمن عليها أيضاً.
وفي الحقيقة قبل يومين اتصلت لصديق موثوق من همدان استفسره عمّا حدث؛ فقال لي: “والله يا صاحبي كنّا نقول من يخارجنا من كائنات صالح ومحسن يحيى عايض وقناف القحيط، أما الآن فنقول من يخارجنا من المجاهدين حق يوسف المداني وأبو علي الحاكم”..؟!.
وإذا كان الإخوان مع الخلافة كما نعرف؛ فإن الحوثيين مع الولاية، وهما مبدأين غير ديمقراطيين؛ طبعاً ما يجعلني أستغرب لمن يتواطؤون مع الحوثي نكاية بالإصلاح في هذا السياق.
بلغة أخرى.. يكفي جمهورية مفرغة من الداخل، جمهورية بلا دولة، وبالتأكيد لن يكون مصيرنا الخيانة الأكبر للجمهورية بالذهاب إلى حيث تقود غرائز الإماميين البغيضة، تحديداً إنها الفرصة المناسبة لفرض منطق الدولة على الجميع.
ثم إنه كي تكونوا مواطنين وكي تكون دولة يجب أن نصرخ: «لا للشيخ ولا للسيد؛ لا لهذا النفوذ السخيف الذي بطش بأحلام اليمنيين طوال عقود، ولتكن البداية عبر نزع السلاح من القبيلة وميليشيات الحوثيين والقاعدة في وقت واحد».
كما باختصار شديد.. سنظل ضد الاستغلال السياسي للدين لأنه أسوأ من يفسد سماحة الدين ويدمّر السياسة، في حين تؤكد مختلف الوقائع أن لكل الجماعات والأحزاب الدينية في البلد أهداف دينية معزّزة تماماً بأهداف سياسية قصوى.
والمعنى أن على الجميع اليوم تذكُّر تعريف الإرهاب كما حدّدته المحكمة الجنائية الدولية؛ وهو استخدام القوة أو التهديد بها من أجل إحداث تغيير سياسي، أو هو القتل المتعمَّد والمنظّم للمدنيين أو تهديدهم به لخلق جو من الرعب والإهانة للأشخاص الأبرياء من أجل كسب سياسي، أو هو الاستخدام غير القانوني للعنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أو حكومتهم على الإذعان لأهداف سياسية، أو هو استخدام غير شرعي ولا مبرَّر للقوة ضد المدنيين الأبرياء من أجل تحقيق أهداف سياسية.
فتحي أبو النصر
الوسيلة تكشف الغايات جيداً 1120