;
عيدروس النقيب
عيدروس النقيب

جمعة الكرامة..كرامة الجمعة 1093

2014-03-19 10:50:08


لا بد من الإشارة إلى أن مجزرة جمعة الكرامة، لم تكن المجزرة الوحيد التي ارتكبها النظام وزعيمه، على مدى ثلث القرن الذي تحكّموا فيه بشؤون البلاد والعباد، وعلى المؤرخين والأدباء والكُتّاب والمفكرين والأجيال الجديدة عموماً ألاّ تحصر خطابها في نعي شهداء هذه الجمعة، بل لا بد من تدوين التاريخ بأمانة ودقة إن لم يكن للقصاص من المجرمين فللعبرة والعظة لحُكّام اليوم والمستقبل، فمذابح النظام متعددة بتعدد أذرعه وألاعيبه وخبراته في القتل والتنكيل والقمع، التي هي أهم المهارات التي أتقنها طوال فترة حكمه.

وجدير بنا ألّا ننسى مجموعة من الذكريات الدموية لهذا النظام وأشير هنا فقط للتذكير وليس للحصر إلى شهداء أكتوبر 1978م، وما تلاها، وشهداء منصة الحبيلين وشهداء الضالع محطة الهاشمي وجولة كنتاكي ومصنع الذخيرة في أبين، ومجزرة بنك الدم ومحرقة ساحة الحرية بتعز ومجزرة المدينة الرياضية ومجزرة زنجبار وغيرها من الأيام الدموية الكثيرة في تاريخ هذا النظام.

يوم جمعة الكرامة ربما يمثّل حالة متفردة نظراً لهول العنف الرسمي ودقة التدبير وحجم الضحايا، ووضوح التفاصيل وبشاعة الطريقة التي جرى بها تنفيذ تلك الجريمة، لكن أيضاً بسبب الموقف البطولي لشباب الثورة الذين واجهوا الرصاص بصدور عارية ولكن بإرادات أقوى من الفولاذ الذي صُنعت منه أدوات القتل.

كنا قد اتجهنا يومها لأداء صلاة الجمعة ككل جمعة وشخصياً فضّلت السير على الأقدام, فمنزلي لا يبعد كثيراً عن ساحة التغيير وكان برفقتي زوجتي التي اتجهت إلى مصلّى النساء وابني الذي جلس بجانبي بقرب المنصة.

أثناء الخطبة كانت هناك طائرة هليوكبتر تحوم في السماء ودارت ربما ثلاث إلى أربع دورات، ثم غابت عن الأنظار وشخصياً لم أعر الطائرة أي اهتمام، لكن البعض كان يعلّق بأن الطائرة تحمل الرئيس علي عبد الله صالح.

عموماً سارت الأمور كالعادة: خطبتان، فإقامة الصلاة، فركعتان سنة ثم الدعوة لصلاة الغائب على أرواح الشهداء، وبعد الصلاة كان البعض يسلم على البعض الآخر والبعض ينتظر قريباً أو أهيل للعودة إلى البيت أو إلى الخيمة.

قبيل الاستعداد للانصراف سُمِع دوي انفجارات في الطرف الجنوبي لشارع الدائري الغربي، عند جولة القادسية، وهي آخر نقطة وصلت إليها مخيمات الشباب يومها، حيث كانت أجهزة الأمن قد بنت جدارا إسمنتيا قِيل إنه لمنع تمدد الخيام، . . . لم تمضِ دقائق حتى لعلع الرصاص واستمر إطلاق النار لفترة تزيد على عشرين وربما ثلاثين دقيقة، لكن الناس لم يعيروا بعد ذلك اهتماما لموضوع الزمن، فقد سيطر على الناس حديث الأحداث المروعة التي كانت تجري هناك، ولم تمض دقائق حتى وصل فوج من الشباب يحملون الدفعة الأولى من الشهداء والجرحى.

بعد ذلك تحوّلت الساحة إلى خلية نحل لا تتوقف عن الحركة دُفعةً تأتي ودفعة تذهب لجلب الضحايا من الشهداء والجرحى، الذين لم يتّسع لهم المستشفى الميداني ولا أرضية المسجد فاضطر الطاقم الطبي إلى افتراش الساحة المفروشة بالحصى لترقيد الجرحى وتمديد جُثث القتلى.

لقد كانت مذبحة جماعية بكل ما تعنيه الكلمة، حيث استمر نقل الجرحى والشهداء ساعات طويلة من الزمن، وكانت سيارات الإسعاف تتوافد من مستشفيات ومراكز صحية مختلفة عرفناها من الأسماء المكتوبة على السيارات أهمها مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، مستشفى المتوكل، المستشفى الأهلي, المستشفى الأماني الحديث، مستشفى آزال وأعاد الشباب سيارتين من مستشفى الثورة ومستشفى الكويت بعد توالي أنباء عن خطف الجرحى وإخفائهم من المستشفيات الحكومية.

هناك الكثير والكثير ممّا يمكن رصده وتدوينه عن ذلك اليوم المشهود، لكن مشاهد عدة ستظل خالدة في الذاكرة لن تنمحي منها مهما تقادم الزمن، من بينها:

تسلُّق مجموعة من الشباب الحاجز الإسمنتي الذي بناه الأمن والاتجاه نحو المبنى الذي كان القناصة يتمترسون فيه، وهو ربما ما ضاعف عدد الشهداء والجرحى. عند وصول الشباب إلى المبنى المقصود وجدوه مغلقاً فما كان منهم إلا أن صنعوا سُلّما بشرياً صعدوا من خلاله فوق بعضهم البعض حتى بلغ أولهم إلى سطح المنزل حيث كان القناصة يتمترسون.

عند وصول الشباب إلى السطح كان القناصة قد لاذوا بالفرار والبعض تركوا أسلحتهم، لكن الشباب تمكّنوا من القبض على البعض وجلبوهم إلى إحدى الغرف بجوار المستشفى الميداني حيث تحولوا إلى فُرجة للكثير من المقيمين في الساحة، وكان أكثر المشاهد شداً للانتباه أن أحداً لم يتحرّش بهم أو حتى يتعرّض لهم بأي لفظ سيء رغم علم الجميع أو على الأقل اعتقادهم) بأن هؤلاء قتَلَة. كانت المفارقة العجيبة أن المحتجزين مسلحون، بينما كان من احتجزهم شبابٌ عُزّل من السلاح، ولم يكن هناك ما يمنع المسلحين من إطلاق الرصاص على من قام باحتجازهم لكنه الفرق بين إرادتين: إرادة الثائر الذي لا يحسب حسابا لقاتله، وإرادة المجرم الذي يرتكب جريمته وعينه على المكافأة أو الغنيمة التي سيجنيها مقابل فعلته. والمفارقة الأكبر أن صاحب المنزل الذي تمترس فيه القتَلَة ما يزال محافظا لإحدى المحافظات وأن أبناءه وبعضهم كانوا بين قيادة المجزرة ما يزالون يحتلون مواقع مهمة في أجهزة الدولة الأمنية والخدمية والاقتصادية، بينما الشهداء بلا مرتبات والجرحى بلا علاج، وذلك بفضل التوافق الذي حول الثورة إلى نزاع بين جناحين في السلطة والتغيير إلى توافق والقتلة إلى أبطال وشباب الثورة إلى متهمين ومخفيين قسرياً.

برقيات:

*  الصديق والزميل الشيخ حميد الأحمر    حياكم الله

سيكون من المهم الاستجابة لدعوة المحكمة للحضور والرد على الدعوى المرفوعة ضدكم من بعض ناشطات الثورة؛ لأن الاستمرار في تجاهل دعوة المحكمة أو رفضها يتناقض مع حديثكم الكثير عن المواطنة المتساوية ودولة القانون.

 * كنت أتوقّع أن تشمل التعيينات العسكرية الجديدة عدداً من القادة الجنوبيين من ضحايا حرب 1994م، لكن يبدو أن الترقيات والتعيينات والتسابق على المناصب مفتوحة على مصاريعها للجميع إلا للجنوب والجنوبيين، . . .وبهذا سيتم الحل العادل والمنصف للقضية الجنوبية.

*  يقول الفيلسوف والشاعر المهجري جبران خليل جبران:

لا تســــــــطع الشمس إلا خلف غاشيةٍ         من الأسى بمحــــيّا كاسفٍ شحبِ

ولا يســـــــيل أصــــــــيلٌ في سحائبهِ         إلا بدمعٍ صبــــــــيبِ أو دمٍ سربِ

يا مُنــــــــقذاً جاء بعد الألف من حججٍ          يعيد ما فات من مجدٍ ومن حسبِ

هل ضم غير الرسول المصطفى قدماً          تلك العزائم والآمال من شــــــعبِ

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد