الفلول كما يسمون في مصر أو رموز النظام السابق كما يعرفون في تونس والتسمية لن تختلف كثيراً في ليبيا أو اليمن لم يلقوا أسلحتهم بعد، أحياناً حتى بالمعنى الحرفي للكلمة.
قلة منهم لجأت إلى الخارج أو عادت إلى بيوتها مقتنعة أن الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان على حد قول الشاعر أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس.
أغلب الذين فروا إلى الخارج فضلوا البقاء هناك حتى وإن كانت تلاحق بعضهم قضايا في المحاكم ومذكرات توقيف. آثروا عدم العودة إما لأنهم فعلاً من الفاسدين حقاً أو لأنهم لا يثقون في حصولهم على محاكمة عادلة في وطنهم أو لكليهما.
أما من بقي في البلاد طوعاً أو عجزاً عن الفرار فأحوالهم شتى: منهم من عاد إلى دواليب الحكم الجديد القديم بتخريجات ومسميات خادعة كما في مصر، وبعضهم قبع طويلاً في السجن دون تهمة محددة أو محاكمة قبل أن يتم الإفراج عنهم كما في تونس.
هذا البلد مثلاً شهد تناسخاً في تأسيس أحزاب تقدم نفسها على أنها معارضة وهي لا ترى غضاضة في إعادة تلميع من يفترض أن الثورات قامت أصلاً للإطاحة بهم !! مثالي توضيحي واحد لا غير: عضو بلجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم سابقاً في مصر هو رئيس الوزراء الحالي، ورئيس وزراء بن علي لسنوات طويلة يعود بحزب جديد مبشراً الناس بالفرج على أيدي أمثاله!!
في ليبيا واليمن الوضع مختلف.. في الأولى صدر قانون أقصى كل من عمل مع القذافي ولو ليوم واحد فكان أن خسر كفاءات لا حدود لها وهمش أو استعدى قطاعاً واسعاً من الناس، أما في الثانية فأنصار الحكم السابق منقسمون بين من انخرط في الحوار الوطني حتى لا يفقد كل شيء وبين من خير العمل من خارجه.
النتيجة أن كثيراً من هؤلاء الذين استبعدوا أو أبعدوا يفضلون الآن العمل النشيط لتخريب كل مقومات الاستقرار السياسي في البلاد، البعض بالسلاح والآخر بغيره.
بوضوح أكثر، في البداية كان أنصار الحكم السابق في دول الربيع العربي يتوارون عن الأنظار بل ويحاولون قدر جهدهم النأي بأنفسهم على الأقل عن كل ما هو فضائح وإجرام في سجل حكمهم المنهار، لكن مع تردد وقلة خبرة الحكام الجدد وتكالب ما يسمى ‘الدولة العميقة’ لإفشالهم عاد رموز هؤلاء يطلون برؤوسهم قليلاً من فتحة صغيرة في بابهم الموارب وقد وجدوا في الإعلام الشبيه بهم أو قليل الخبرة أفضل تسويق لهم.
طبعاً، كلما زادت عثرات الحكام الجدد ورعونة بعضهم أحياناً، أخرج هؤلاء رؤوسهم أكثر حتى قرروا في النهاية الخروج إلى العلن وإغلاق الباب وراءهم بجرأة هي أقرب إلى الوقاحة, في مصر عادوا إلى الحكم ،الذي ربما لم يغادروه أصلاً، وفي تونس لديهم أمل في استعادة وضعهم السابق مستغلين تبرم الناس من الضائقة المعيشية ومن الوضع الأمني، الثنائي الذي ما زال يسيء إلى أي مكسب سياسي جدير بالإشادة.
أما في ليبيا فحالة الفوضى وتشظي الوطن قد تغري بالحنين إلى أيام الأمن والاستقرار مهما كانت هوية القادرين على تأمينها.
كل الحقوقيين لا يرون بديلاً عن العدالة الانتقالية للتعامل مع كل هؤلاء من رموز النظام السابق فلا يحاسبون على قناعاتهم السياسية بل على ممارساتهم, المشكلة هنا أن تأخر إرساء آليات واضحة لهذه العدالة وتأخر الشروع فيها فورا جعل هذه الجماعة تتجاسر أكثر فأكثر في اقتحام المشهد.
ومع اقتراب مواعيد الانتخابات في أكثر من دولة من دول الثورات، ومع خبرة هذه الجماعة الكبيرة في التزييف وشراء الولاءات لعقود طويلة، ووجود شرائح اجتماعية واقتصادية تقاسمها نفس المصالح، ومع مرارات الناس وخيباتهم مما يحدث الآن، فضلاً بطبيعة الحال عن وجود أطراف خارجية نافذة تمول بسخاء شديد وبغرفة عمليات نشطة كل ما له علاقة بالثورة المضادة، فقد تعود الجماعة من الشباك بعد أن طردت من الأبواب. سيناريو يشبه الكابوس… لكنه سيفشل.
نقلاً عن القدس العربي
محمد كريشان
أهلاً بالفلول.. 1348