ليس صعباً أن نسمع اليوم ومن دون أن نطلب من ينتقد الدولة ويتهمها بالتخلي عن مسئولياتها وواجباتها أمام تمدد حركة الحوثيين التي استطاعت خلال الأيام القليلة الماضية أن تمد حبالها ونفوذها ووجودها إلى العديد من المناطق وأن تفرض سيطرتها على مواقع حيوية قريبة من العاصمة صنعاء بما يثير مخاوف البعض من إقدام هذه الحركة على اقتحام العاصمة وإخضاعها بقوة السلاح, الأمر الذى قد يؤسس لنشوب حرب أهلية تشبه إلى حد كبير حرب عام 1976م التي أفضت إلى حصار صنعاء سبعين يوماً.
وليس مفاجئاً ان نسمع اليوم أيضا قيادات حزبية وسياسية وهي تتساءل عن دور الدولة ممّا يجري من مواجهات مسلحة وعنف متفاقم في عمران وأرحب وهمدان والجوف وغيرها, ولماذا تقف الدولة على الحياد وتكتفي بإرسال لجان الوساطات رغم علمها أن الحوثيين وبعد أن أكملوا سيطرتهم على محافظة صعدة هم من يسعون إلى تعميم هذه التجربة على محافظات أخرى بدءاً من المحافظات المجاورة لصعدة وأنهم الذين يديرون معاركهم بباطنية سياسية صرفه متحدّين الدولة التي بدت أكثر تردداً عن الدخول في أية مواجهة قد تدفع بها إلى الانزلاق بعيداً عن أولويات المرحلة الانتقالية وتطبيع الأوضاع السياسية وتنفيذ مخرجات الحوار ولذلك فهي التي تفضل تقديم التنازلات عوضاً عن الدخول في أية مواجهة مع أي طرف أو جماعة مهما كان حجمها فما بالنا اذا ما كان هذا الطرف هو جماعة الحوثي التي تعاني من فرط تضخم القوة لديها.
وأمام وضع نجد فيه انفسنا في حيرة بالغة, فلا نحن قادرون على مقاومته ولا نحن مستعدون للاستسلام له تصبح المحنة الكبرى أن نرى من تساهلوا واندفعوا بالأمس للدفاع عن مظلومية الحركة الحوثية وكانوا أكثر تطرفاً لها’ هم من يرفعون اليوم درجات الاستنكار على صمت الدولة تجاه الحوثيين وتمدد نفوذهم ليصل التناقض مداه ونحن نرى من أدانوا حروب الدولة السابقة على الحوثيين غاضبون اليوم لرفض الدولة استخدم الجيش لكبح مغامرات الحوثيين, ومن المنطق هنا أن يسأل المرء نفسه كيف قبلت هذه القوى ان يكون الحوثيون شركاء لها في مؤتمر الحوار الوطني وكيف قبلت بمشاركتهم في هذا المؤتمر جنباً إلى جنب مع المكونات السياسية والحزبية قبل أن تختبر نوايا هذه الحركة التي لم تعلن حتى الآن عن مضمون مشروعها أو تكشف عن توجهاتها السياسية وينطبق الأمر نفسه على حكومة الوفاق التي سارعت بناءً على نصائح المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر إلى الاعتذار للحوثيين وحركتهم عن كل الحروب السابقة قبل أن تعلن حركتهم التخلي عن سلاحها وتسليمه للدولة والتحول إلى كيان سياسي يتقيد بالقوانين والأنظمة النافذة, ولعل مثل هذه المفارقة هي من دفعت احد المثقفين العرب إلى وصف كل من شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني بأنهم إما حوثيون أو على فكر الحوثية وإن لم يكونوا كذلك فهم لا يفقهون قواعد العمل السياسي واستحقاقات شراكة الحوار وبالذات إنه الذى لم يجد أي تفسير يبرر قبول تلك القوى بالجلوس مع جماعة مسلحة ترفض الانضواء ضمن إطار " جمعوي" مدني لبناء الدولة اليمنية الحديثة.
وفي الوقت الذى اتفق مع هذا الطرح الذى يعيد تغوُّل الحركة الحوثية وظهورها كند للدولة إلى أخطاء السياسيين فإنني أشفق على أولئك الذين جعلوا من خلافاتهم مع النظام السابق تقودهم إلى الوقوف في المناطق الرمادية التي حالت دون إفصاحهم عن مواقفهم تجاه هذه الحركة المسلحة والتي لا شك وأنها كانت الأكثر ذكاءً من كل خصومها ويكفي أنها من استغلت تطورات الأحداث التي شهدتها اليمن خلال السنتين الماضيتين لتقوية بنائها الداخلي وتوسيع تمددها الثقافي والسياسي, ناهيك عن تمددها العسكري الذى يجعل من حروبها الحالية تأخذ معنى أعمق من كونها محض جولات مسلحة تخوضها من أجل استعراض القوة بل إنها بمثل هذه الحروب قد أكدت أنها تحذو النعل للنعل حذو تنظيم حزب الله في لبنان الذى أصبح يُصنّف كدولة داخل الدولة.
وفيما اذا كانت أخطاء السياسيين قد أسهمت إلى جانب عوامل أخرى داخلية وخارجية في ظهور الحركة الحوثية وتحولها إلى تنظيم يدّعي استناده إلى الحائط الزيدي فإن لجوء هذه الجماعة إلى استخدام السلاح لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين في المناطق الزيدية كفيل بإحداث العديد من التصدعات ما بين أبناء المذهب الزيدي والحوثيين, كما أن اتباع قادة هذه الحركة للصيغة التي ابتدعها الإمام يحيى بن حميد الدين الذى جعل من نفسه ولياً وفقيهاً ومرجعية دينية ودستورية لليمن واليمنيين هي من قد تدخلها في مأزق يصعب الخروج منه حيث وان التحولات الهائلة التي جرت في اليمن والمنطقة والعالم تجعل من فكرة إعادة التاريخ لنفسه فكرة عقيمة وسقيمة ومحالة ولا وجود لها إلا في عقول من يلوذون إلى الماضي هرباً من فشلهم في استلهام الحاضر وآفاق المستقبل.
مثل هذا القول يصبح منطقياً إذا ما عدنا إلى فحوى وتفاصيل خطاب عبدالملك الحوثي في أربعينية استشهاد الدكتور/ أحمد شرف الدين والذى لم يبد فيه أية إشارة تُطمئن اليمنيين بأنه ينوي وبعد مشاركة جماعته في مؤتمر الحوار الوطني إلى إحداث تغيرات جوهرية في سياسات وتوجهات حركته وانه عازم على تحويل جماعة انصار الله إلى حزب سياسي قادر على الاندماج مع الفرقاء الآخرين للإسهام في بناء الدولة الجديدة, بل انه الذى لم يقدم أي ملمح عن رغبة هذه الجماعة في التحول إلى كيان مدني وجزء فاعل من الدولة المدنية ومؤسساتها وما يؤخذ على ذلك الخطاب انه الذى جاء ليؤكد من جديد على إن معركة الحوثيين مع الآخرين لم تنته وأنهم ماضون في إنجاز رهاناتهم شاء من شاء وأبى من أبى, ولعل من تابع ذلك الخطاب سيلحظ فيه الكثير من التناقضات, ففي الوقت الذى يشكو فيه زعيم أنصار الله من ضعف الدولة وغيابها كانت جماعته في اللحظة ذاتها تقوم بتكريس منطقها كبديل لمنطق الدولة وفيما يدعو إلى التوافق الوطني فإن جماعته تنشط وتتحرك خارج نطاق هذا التوافق وفيما نجده يطالب بالالتزام بمخرجات الحوار فهو يرفض تخلي جماعته عن السلاح إلى درجة انه من أراد أن يقنعنا أن من حق جماعته أن تحتفظ بسلاحها حتى تتأكد أن الدولة العادلة التي تروم إلى قيامها حسب مواصفاته ورؤيته قد نشأت وأصبحت أمرا واقعاً مع انه الذى لا يجهل أن الدولة العادلة والقوية هي وحدها من يجب أن تمتلك السلاح لتبسط سلطاتها على كامل التراب الوطني بعيداً عمن قد ينازعها صلاحياتها ومسئولياتها بامتلاكه السلاح خارج نطاق سلطة الدولة والقانون.
كل الدلائل القائمة تعكس أن اليمن مقدمة على صيف ساخن وانه ومالم تسارع الدولة إلى استعادة دورها وهيبتها وبسط نفوذها في كل الفراغات فان هناك من سيعمل على ملء هذه الفراغات بطرح نفسه بديلاً عن الدولة وفي مقدمة هؤلاء الجماعة الحوثية التي ترى أنها وحدها من بوسعها إقامة الدولة العادلة والقوية وليس الأحزاب والقوى التي وقفت وراء انتفاضة عام 2011 م رافعة شعار التغيير باعتبار أن هذه القوى قد استهلكت وصارت عاجزة عن صنع انتفاضة أخرى على الرغم من إدراك الحوثيين وغيرهم بأن الكرة والصفارة صارت الآن في يد لاعب خارجي واحد هو مجلس الأمن الدولي وان الباقية ليس أكثر من" كُمبارس".
علي ناجي الرعوي
نحن من صنع الحوثية..!! 2434