قبل فترة ليست بالبعيدة وقع 31 خبيراً وسياسياً أميركياً رسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما يطلبون منه إعادة النظر في سياسة واشنطن تجاه اليمن, داعين إياه للتركيز على استقرار الأمن الداخلي وزيادة المساعدات الأميركية للقطاعات الاقتصادية والتنموية في هذا البلد الذى يطل على اهم ممرات الطاقة والتجارة العالمية ممثلاً بمضيق باب المندب خصوصاً وان ما تحصل عليه اليمن من مساعدات في هذا الجانب لا يرقى إلى مستوى تطلعات اليمنيين الذين اصبح الغالبية منهم يحمل رؤية سلبية تجاه الولايات المتحدة لشعورهم من أن الإدارة الأميركية لم تنصف بلادهم التي تخوض حرباً ضروساً مع الإرهاب من عدة سنوات نيابة عن المجتمع الدولي الذى يظهر في موقف المتفرج رغم إدراكه أن بلدا كاليمن محدود الموارد والإمكانات لا يمكن له أن يحقق انتصاراً يعتد به في معركة مفتوحة مع تنظيم القاعدة الإرهابي.
وليس واضحاً حتى الآن ما اذا كانت الإدارة الأميركية مهتمة فعلاً بإعادة تقييم سياساتها في اليمن في ظل التباعد المتزايد بين الوسائل والغايات إذ لم تفصح إدارة أوباما عن أي تحول يعكس عن وجود تغيير معين في المزاج الأميركي من شأنه إحداث انعطافه استراتيجية في العلاقة بين البلدين ففي الوقت الذى يبدي الجانب الأميركي حرصه على تعزيز مسارات التعاون الأمني فإنه الذي لا يظهر أية حماسة في إقامة أي نوع من أنواع الشراكة الاقتصادية مع ذلك البلد الفقير الذى تنهشه عوامل الفقر والبطالة والجهل والتخلف.
خلال الأسبوع الجاري قامت مساعدة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي ومكافحة الإرهاب بزيارة لصنعاء وذلك للتعبير عن دعم ومساندة واشنطن لخارطة الطريق التي توصل إليها اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني والوقوف أيضا على مسارات التسوية السياسية وجهود مكافحة الإرهاب بعد أن نجحت عناصر تنظيم القاعدة في يجاد ملاذات آمنة لها في عدة مناطق يمنية مستغلة الوضع السياسي والأمني وتطورات الأحداث نتيجة دخول اليمن في دائرة الربيع العربي في التمدد والحصول على المزيد من حرية الحركة والنشاط حتى داخل العاصمة صنعاء.
وفيما توحي مثل هذه الزيارات للمسؤولين الأميركيين في ظاهرها على اهتمام الولايات المتحدة باستقرار وأمن اليمن فإنها من وجهة نظر الكثير من اليمنيين تندرج في نطاق تنشيط محركات النفوذ الأميركي في هذا البلد الذي جرى إخضاعه لمتطلبات الهيمنة بعد تدويل قضاياه ووضعه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ومثل هذا الطرح قد يكون له ما يبرره بالنظر إلى إحساس العديد من اليمنيين بان الولايات المتحدة لم تلتزم بالكثير من وعودها حيال ما يتصل بدعم بلدهم على الرغم من كل الأعباء التي يتحملها جراء المواجهات الطى يخوضها مع تنظيم القاعدة وكذا الانعكاسات المترتبة عن الأخطاء التي اقترفتها الطائرات بلا طيار والتي أدت إلى قتل العديد من المواطنين الأبرياء ما ولد حالة من التذمر الداخلي بعد أن تخلت واشنطن عن مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية بالاعتذار لمن تم استهدافهم عن طريق الخطأ وتعويض أهاليهم.
ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تكرر الأخطاء التي اقترفتها بالعراق وأفغانستان في اليمن كما أن ليس من مصلحتها أن تختزل تعاونها مع اليمن على الجوانب الأمنية ومكافحة الإرهاب فيما هي تدرك صعوبة بناء يمن آمن ومستقر ومعافى من آفة الإرهاب من دون نهوض اقتصادي وتنموي ومشروع مارشال يخرج اليمن من بؤرة الفقر والبطالة والفاقة.
الرياض السعودية
علي ناجي الرعوي
الاستراتيجية الأميركية في اليمن!! 1575