لم يكن السياسيون اليمنيون بحاجة إلى مثل ذلك السجال السفسطائي حول القرار الأممي الأخير رقم 2041 حتى يدركوا مخاطر المرحلة الصعبة التى يجتازها اليمن والمنطقة عموماً أو بحاجة لتذكيرهم بأن المؤيدين منهم لذلك القرار إنما يؤيدونه من زاوية النكاية بالآخر وطمعاً في النيل من خصومهم عبر عصا الخارج الغليظة, كما أن من يرفضونه لا يرفضونه لاعتبارات تتصل بالسيادة الوطنية التى أصبحت ناقصة أو منقوصة بحكم هذا القرار وإنما خشية من أن تستهدفهم العقوبات الأممية والتى لا شك وأنها من ستتحول مع مرور الوقت الى اداة ووسيلة لابتزاز مراكز النفوذ وكذا الدولة وسلطاتها.
قد يكون مثل هذا السجال غير مستغرب بعد أن اهتزت الثوابت على حين غفلة عند الكثير وانتكست مسألة السيادة في زحمة ارهاصات واقع ترسم ملامحه اليوم إكراهات خارجية وتناقضات داخلية معقدة ومتشابكة لكن ما يستغرب له حقاً أن يلجأ بعض السياسيين للسخرية بالذاكرة الجماعية لهذا الشعب عن طريق تصويرهم لقرار مجلس الامن الذى يضع اليمن تحت البند السابع بأنه الإطار الذى ستنتظم في ظله أحوال هذا البلد بعد أن أخفق أبناؤه على مدى خمسين عاماً في إدارة شؤونهم وفق المعايير المتعارف عليها دولياً عبر الوسائل الديمقراطية وثقافة دولة النظام والقانون وقواعد الشفافية والحكم الرشيد إلى درجة محاولة هؤلاء اقناعنا بأن مجلس الامن أرحم بنا من أنفسنا مع أن مثل هذا التوصيف يتناقض بالتعريف والضرورة مع ما أحدثه التدخل الخارجي في العراق وليبيا وأفغانستان من مصائب وكوارث جعلت منها بُلداناً مضطربة تموج بالفتن الداخلية والحروب الطائفية والمذهبية.
لقد استمعت لأحد السياسيين وهو يكيل انتقاداته لكل من يتحفظ على القرار الأممي الاخير الذى انتقل بموجبه اليمن من الفصل السادس الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة حيث ارجع ذلك السياسي مثل هذه التحفظات الى نظرية المؤامرة التى لم تكن سوى الشماعة التى يعلق عليها العرب فشلهم ونقائصهم بعد أن حولوا هذه النظرية الى هالة تحجب عنهم رؤية أنفسهم وتقييمها تقييماً صحيحاً فيما غابت عن هذا السياسي أن مثل هذه النظرية ما كان لها أن تبقى في عملية التنفس الروتينية للإنسان العربي لولا الضربات الموجعة التي حاقت به من الدول الغربية .. ولو صدّقنا هذه المرة بأن الدول الخمس الكبرى حريصة على مستقبل اليمن وأمنه واستقراره فكيف لنا أن نصدق أن ما فعلته أمريكا في العراق كان في مصلحة هذا البلد وهي من قامت بتدمير بنيته المادية والبشرية واستنزاف طاقته المالية من خلال عقودها العلنية والسرية وهيمنتها على الكثير من الملفات الحساسة.
لذلك كنا نتمنى أن تشكل مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وما أفضى إليه من طروحات ومواقف مقدمة تؤسس لمصالحة وطنية حقيقية تخرج المشهد السياسي من ضيق الفرقة والانقسام الى رحاب التفاهم مع الذات والعقل والوطن.
كما كنا نتمنى وبعد جلسات الحوار العديدة وما توصل اليه المتحاورون من توافقات أن تعيد كل القوى والجماعات النظر في مواقفها وأدبياتها حتى يتسنى لها تعزيز الثقة فيما بينها والاتفاق على ما يصون وحدة الجبهة الداخلية في هذه المرحلة التى لابد وأننا سنشهد فيها الكثير من التقاطعات بين الادوار الاقليمية والدولية والتوجهات السياسية الداخلية لا أن تظل هذه القوى والجماعات أسيرة لمواقفها وأحقادها وحساباتها الضيقة في انتظار ما سيأتيها من الخارج وما ستسفر عنه لعبة الكبار وما يفرضونه علينا من قرارات ومعادلات وحلول تتفق مع حساباتهم ومصالحهم أكثر من انسجامها مع الحسابات الداخلية.
لقد دخلت اليمن تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة بصورة بدت ربما سهلة وغير مستفزه ولكن فإن خروجها من تحت هذا البند من المؤكد انه لن يكون سهلاً بل إن تجاوزه سيكون شرطه الأول هو التوافق الدولي مقروناً بتوافق اقليمي ومثل هذا التوافق يمكن أن يعطله أي طرف لم تأخذ مصالحه في الاعتبار ولعل ذلك ما يدعو الى تكرار تساؤلات سبق وأن طرحتها مثقفة عربية في جريدة الحياة اللندنية والتى تساءلت فيها عن الموجبات التى كانت وراء توافق الدول الخمس حول اخضاع القضية اليمنية لمراقبة مجلس الامن بما أدى الى اعتبار المسالة اليمنية (قصة ناجحة) عن التعاون الدولي وما الذى جعل روسيا والصين توافق على هذا الدور في اليمن فيما اصرتا بحزم على شل موقف مجلس الامن وتعطيله عبر الفيتو ثلاث مرات حينما تعلق الامر بالقضية السورية مع الفارق الكبير لما الت اليه الاوضاع في سوريا قياساً بما جرى في اليمن ومما استنتجته تلك الكاتبة العربية أن روسيا والصين اللتين تحفظتا جدا على تدخل مجلس الأمن في سوريا فيما وافقت على ذلك في اليمن قد انطلقتا من ميزان مصالحهما في البلدين.
وبالتالي فإذا ما أردنا التقليل من اثار بقاء اليمن تحت البند السابع فإن أفضل الطرق الموصلة الى ذلك الهدف يبدأ بتعميق روح المصالحة الوطنية وهو ما يدفع بي الى دعوة قادة المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك وكافة النخب السياسية والنشطاء الى المسارعة بإجراء مصالحة وطنية صادقة وشجاعة تستند الى قيم التسامح والتصالح بين أبناء هذا الوطن الذين يحملون نفس الجينات وتجمعهم وشائج الدين والقربى ورابطة العائلة الواحدة التى لا يجوز فيها لأحد أن يدّعي الشجاعة والانتصار على الآخر.
قد لا نختلف على هذه القيم لأننا جميعاً يمنيون وعلينا أن ندفع بالتي هي أحسن كما أمرنا الله سبحانه وتعالى الذى نسجد له خمس مرات في اليوم والليلة لكننا سنندم كثيراً إذا ما ترددنا في مد أيدينا لبعضنا البعض من أجل الحفاظ على وطننا حراً كريماً وموحداً ومستقلاً ينعم في ظل دولة, رايتها القانون والمواطنة المتساوية, لا يُحس فيها أي يمني بغبن أو قهر أو إقصاء أو تهميش.
علي ناجي الرعوي
مصالحة مع العقل والوطن !! 1963