;
محمد حفيظ
محمد حفيظ

المثقف بين مأزق السلطات 1219

2014-03-06 15:04:37


في عصر الثورات لا شيء يبقى على حاله, فالثورات بحد ذاتها تمثل اختباراً نفسياً وأخلاقياً قاسياً للأطراف المنخرطة في تفاعلاتها، سواء نخبة حاكمة أو طبقات محكومة ويبدو الجميع مسكوناً بآلامها وآمالها, في حين يظل المثقف (بالمعنى الأخلاقي للكلمة الذي ينصرف إلى مجموعة القيم والمبادئ التي يجسدها كل من يطلق على نفسه هذا اللقب) بمثابة «ترمومتر» نجاح الثورة أو انتكاسها.
 فالمثقف الحقيقي كما يعرّفه إدوارد سعيد في كتابه «المثقف والسلطة»، هو « الشخص الذي يمثل صوت من لا صوت لهم، ويجسد قيمهم ويستمسك بها من دون مساومة أو تفريط». لذا فالمثقف، حسب سعيد، يجب أن يكون بعيداً من السلطة في أشكالها كافة حتى لا تقيد تفكيره أو تحد من مسار أفكاره أو توجهها وفق مصالحها ورغباتها, ولا يخلو تاريخ الثورات، خصوصاً في القرنين التاسع عشر والعشرين من دور مهم لعبه المثقفون، سواء في إشعال الثورات أو تغيير مجتمعاتهم ونمط تفكيرهم بعد الثورات وذلك مثلما كانت عليه الحال في الثورة الفرنسية عام 1789م والروسية عام 1917م والصينية عام 1949م.
 وهو أمر لم تخلُ منه أيضاً ثورات العالم الثالث التي وسمت القرن العشرين حيث لعبت النخبة المثقفة دوراً مهماً في ثورات المكسيك عام 1910م وكوبا عام 1959م وإيران ونيكاراغوا عام 1979م, وذلك في تجسيد حي وتطبيقي لمفهوم أنطونيو غرا مشي عن «المثقف العضوي».
وكذلك أيضاً كانت الحال مع ثورات «الربيع العربي» حيث تخلى كثير من المثقفين العرب عن عالم الأفكار ونزلوا إلى الشارع مطالبين بالحرية، ومدافعين عن حقوق مجتمعاتهم في العيش بكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
بيد أن ما يثير الحيرة والاستغراب هو تلك التحولات التي طاولت مواقف نفر من المثقفين العرب في مرحلة ما بعد الثورات والتي وصلت أحياناً إلى حد التناقض في القول والفعل, فقد انقلبت حال بعضهم وتحوّل من أداة أو معول كانت في يد السلطات السابقة ،كان يبرر عنفها وقمعها وينظر لسيطرتها على المجال العام ويبرر سياستها ويدافع عنها بما فيها انتهاكات حقوق الإنسان واعتقال النشطاء السياسيين وتضييق المجال العام .
 إلى ممثل لقيم الحرية والعدالة والتسامح في السلطات الجديدة المولودة من رحم ثورات الربيع العربي, وهو أمر يبدو واضحاً في الحالة اليمنية أو المصرية والعربية عامة الذي يحول فيها كثير ممن يدعون الليبرالية واليسارية والعلمانية أو حتى من يدعون الاستقلالية لحاجة في نفس يعقوب التي ناضلت مع السلطات المخلوعة وأجهزتها الأمنية، إلى حقوقيين ومناضلين مع الإنسانية التي يدعونها اليوم في الأنظمة الجديدة لأن مصالحهم انتهت بانتها مموليهم من السلطات المخلوعة, ولا أقصد أولئك المثقفين الذين يدافعون عن أي سلطة وأي نظام ما دامت مصالحهم ومزاياهم الاجتماعية والمادية لم تُمس, وإنما أتحدث عن أولئك المثقفين الذين باتوا طيلة العقدين الماضيين جزءاً من التسلط والاستبداد، والآن يدعون أنهم يعانون القمع لمواقفهم الحقوقية وهم في الأصح يتسللون بنهيقهم إلى((حلم))أعادت بنية التسلط والاستبداد وبناؤها مجدداً أو إعادة السابقات ويجسدون استفزاز الجمهور بكلمات مقيتة ليتناحروا مع بعضهم . 
وعودة بعض المثقفين العرب إلى ادعاء الدفاع عن مبادئ الحرية والعدالة في إطارها غير المجرد وليس بعيداً عن مصيدة التحزب السياسي والأيديولوجي يكشف الأزمة العميقة التي يعيشها هؤلاء ومراوحتهم بين مربعي السلطات السابقة القمعية والثورة, وهو مأزق ستتضح آثاره عندما يكتشف الجميع أن الانحياز للمبادئ والقيم أهم بكثير من الانحياز للمعونات المالية أو للسلطة أياً كانت المبررات والدوافع وسيظل التاريخ شاهداً على مواقف الجميع مهما طال الزمن، الله هم فشهد إني بلغت.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد