إنها ثورة الشباب الثورة التي مات في ميلادها الخطر، وانعتقت اليمن إلى الحياة الجماعية والاحتشاد الجماهيري والرؤية الثورية الواحدة، تقول للرئيس امضِ بعون الله ومعك الشعب اليمني كله بناء اليمن الجديد الذي كان شعار حملتكم الانتخابية معا لأجل اليمن، امضِ بسفينة اليمن نحو المستقبل فجماهير الشعب لن تفرط في مكتسبات الثورة، بل ستتقدم بها إلى الأمام فاليمن اليوم شاباً اليمن اليوم شاباً فتياً.
ها هي ثورتنا الشبابية السلمية الشعبية تعود إلى لميادين لتقول كلمتها الشعب نريد بناء يمن جديد، إنها الثورة النقية الثورة البيضاء ثورة الكلمة والسلمية تعود لتعلن أن الشعب اليمني حاضر في اللحظة التاريخية لا يعرف التراجع، ولا يقبل أن يعود إلى العمى بعد أن أبصر النور، ولا يقبل أن يرجع المرض إلى جسده بعد أن تذوق عافية الحوار وصحة التحاور، فاليمن تحررت من قمم الاستبداد وقيوده، خرجت الجماهير لتعلن أنا الثائر أنا موجود، ولتؤكد حيوية هذا الشعب الذي يريد الحياة ويهفو للبناء، خرجت الملايين عبر اليمن طولاً وعرضاً تحمل علم اليمن وتهتف لليمن وتنادي بالحياة لكل اليمنيين.
مثل أمواج البحر، ومثل فراشات الربيع، ومثل أزهار البساتين تتفتح آمال اليمنيين برغم كل الأشواك المحيطة بالورود ستظل الورود تملأ حياتنا بالدفء والحياة، وبرغم كل المنغصات التي تحيط باليمن الجديد فإن شباب اليمن المحتشدون في الساحات والمتجمهرون في الميادين حول أهداف ثورة الشباب يعرفون سيرهم نحو الغد، لا مجال للعودة للوراء لا عائلياً ولا سلالياً، واليمن شبت عن الطوق فلن تكون أرضاً لتصفية الحسابات بين الخصوم الإقليميين اليمن لليمنيين، والشأن اليمني بدأ يتنفس لغة الحوار حتى لو كان ما كان، واليمن خطى خطوته الأولى نحو الدولة المدنية الحديثة حين اختار الثورة السلمية على ما سواها، وحين اتجه للحوار دون الدمار، وأدرك الشباب أن ثورتهم باقية ومستمرة حتى تقف اليمن على رجليها وتسترد أموالها وتحاكم قتلة الثوار وتعيد الحق إلى نصابه.
إن اليمن الغالي واليمن أولاً واليمن الحبيب يعيش في خفقات القلوب وحدقات العيون كلنا سنبنيه وكلنا سنحميه وكلنا له الفداء، وإن الصبر والمصابرة والجهد السلمي ونبذ العنف ونبذ من يتبنى العنف وترشيد خطوات الدولة في قراراتها وسياساتها هي الطريق الأسلم لهذا الوطن الذي عانى كثيراً ويحتاج إلى جهود أبنائه في كل ميدان وكل موقع، فكل يمني مطالب بأن يثبت حبه لليمن عملياً من خلال جهود البناء وهي جهود مطلوبة من الكبير قبل الصغير ومن المسؤول قبل المواطن العادي، ولكن ذلك لا يعني أن المواطن غير مطالب بحب اليمن عملياً فالحب عمل وليس أقوالاً وشعارات، إن اليمن يعيش مرحلة فاصلة وفارقة في حياته التاريخية، اليمن يسير لبناء الغد وهناك من يحاصره بالماضي سواء أكان الماضي قبل سبتمبر وأكتوبر أو الماضي قبل فبراير وثورة الشباب، وهناك من يريد أن يصفي حساباته الإقليمية على الأرض اليمنية، وهذا يتطلب وعياً وانتباها للحفاظ على السفينة اليمنية التي أبحرت بثورة الشباب السلمية من التفكير في البندقية إلى التفكير بلغة الحوار، وانتقلت من مرحلة الإقصاء إلى الشراكة والتوافق والأطراف التي تريد إسقاط الحكومة تستطيع ذلك من خلال تقديم وزرائها استقالاتهم وهم نصف الحكومة بدلاً من تعطيل السير اليومي للحياة في بلد يحتاج العمل بكل طاقاته وبكل جهوده، وأن يقدموا عملا أفضل في التنافس في خدمة الوطن بدلاً من أن يظل الإعلام الذي يتخبط بلا رسالة، لماذا لا يقدمون أداء أحسن ليكونوا معبرين بشكل أفضل عن أنفسهم وهذا الكلام يقال لجميع أعضاء الحكومة أنتم ممثلون لجهاتكم فأحسنوا تمثيلها، كونوا وجهاً حسناً ولا تكونوا غير ذلك.
إن الثورة الشبابية السلمية قد استوعبت الأهداف الثورية بصورة شعبية بفكر الملايين وأداء الملايين وروح الملايين فتجاوزت المخاطر بحركة شعب وتحرك أمة، وبهذا فهي ثورة تتفوق على نفسها كل يوم، وتكسب الرهانات كل يوم، رهانات المستقبل الجميل الذي تتطلع إليه الأمة اليمنية في الدولة الاتحادية، وهذه الثورة السلمية صارت أكبر حقيقة تاريخية في الواقع اليمني اليوم، ولا يضر الشمس أن يوجد عميان ينكرونها ويحبون الظلام، ولا يضير القمر أن تغطي وجهه الجميل سحابة، فاليمن بشبابها وشاباتها ورجالها ونسائها يرفعون أكفهم إلى الله أن يحفظ بلادهم، ثم هم يعملون بالأسباب اتحادا في جسد ثوري واحد، فالمخاطر كبيرة لكن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د. محمد عبدالله الحاوري
ثورة مات في ميلادها الخطر 1729