تُرى من أين تنبثق قيمة الإنسان؟؛ هل من مكانته الاجتماعية؟, هل من إمكاناته المادية؟, هل من هيئته الجسدية؟, أم من جنسه" طبقته- بلده- نسبه؟!.
يُقال عن شخص ما: إنه ذو شخصية ساحرة يتمتع بـ" كاريزما عالية"؛ "جذاب مؤثر".. وكلها مسميات للشخصية الجامعة لذاتها, المسيطرة على نفسها, الحاكمة لإراداتها..
بإمكان كل أحد امتلاك هذه الشخصية المتميزة, وهذا التأثير المنقطع النظير, حتى ولو لم يكن ذا مال, ونسب عريق, إنْ هو تمكن من بث الحياة الكاملة, وإحداث التوازن الدقيق في قواه الباطنة الثلاث؛ قوى العقل والروح والعاطفة.
عندما تسير في الطرقات, وبين الجموع وترى وجوهاً باهتة, باردة, تشبه وجوه الأموات, فاعلم أنهم أشخاص دبَّ الموت في قواهم الباطنة؛ فخبا نور البصيرة, وتلاشى ألق الروح, وبردت حرارة العاطفة والشعور فيهم.. نراهم أمواتاً في هيئة الأحياء.
لو قلنا لأحدهم: إن الموت قد بدأ يدبّ في بعض أطرافك, ستحتاج لبتر هذا العضو لأنه يموت ببطء؛ لانتفض جزعاً , وركض لاهثاً لعلاج هذا الجزء المهدد بالموت من جسده, وهو يعيش بموت مخيم على باطنه دون أن يستشعر ذلك؛ يهتم لأمر جسده أكثر؛ لأنه يعيش به, وله فحسب.
لا يوجد اتصال بينه وبين قواه الجوهرية؛ لذا فهو لا يأبه بالموت المغلف لها من الأعماق.
هذه الشخصيات الباهتة, هي سقم الحياة, وعلة المجتمعات..
مع أن ثقافة ديننا تؤكد على قيمة الإنسان الباطنة, الجوهرية, ولا نجدها تهتم بالقشور, بل معيار التكريم فيها مرتكز على سمو الباطن وطهره " إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".. تقوى تدفع بالمرء للترقي والسمو, الذي يدعو إليه ديننا بكل مفرداته " قد أفلح من زكاها "..
إلا أننا نرى قصوراً واضحاً في خطابنا التربوي في هذا الجانب, وسطحية وقلة عمق..
يجب علينا الخروج من دائرة الترغيب والترهيب الضيقة, والانطلاق نحو فسيح منهج الترقي والسمو وابتغاء معالي الأمور, وبث قيم الاعتزاز بالذات وتقديرها بين الأفراد, وحثهم لطلب الكمال في حياة قواهم الباطنة من عقل وروح وعاطفة.
الحياة التي تسري في هذه القوى الجوهرية, هي من يخلق الحياة المتدفقة في شخصية الإنسان؛ فيغدو إيجابياً مؤثراً صادقاً فاعلاً منتجا..
وبهذا النوع من الأفراد- البالغ منتهاه في الامتياز البشري- تزدهر الأوطان وتعلو وتتفوق..
نبيلة الوليدي
القوى الباطنة!! 1378