"عامان" مرت وستأتي مثلها والحال كما يبدو سيبقى ثابتاً دون زحزحة، طالما والأمور في أبين تسير بعبثية مطلقة في ظل غياب من بمقدوره أن يقول للعبث توقف وللباطل قف مكانك.

لست في حاجة إلى التذكير بما حل بابين وأهلها من دمار وتخريب وأضرار مادية ونفسية واجتماعية لا حصر لها طالت كل شيء في حياة الإنسان البسيط هناك، ولعل الغبرة التي تعلو محيا ساكنيها ومظاهر الدمار المشاهدة حتى اليوم في شوارعها تنطق بفصيح أحزانها.

"عامان" وما يسمى بصندوق الأعمار يصدر للمواطنين " الوهم" تباعاً فلا هو استطاع أن يفي بوعوده للناس اللذين وجدوا أنفسهم في العراء جراء ضحايا حرب عبثية خسيسة، ولا أخذها من قاصرها كما في الأمثال في الشعبية وأعلن انسحابه ليتسنى للمواطن المسكين تدبير نفسه بنفسه كما هو حاله في سنوات مضت وأعوام مديدة مرت.

"عامان" وألآم التشرد لا زالت جاثمة على صدور الكثير من الأسر خاصة التي دمرت منازلها بالكلية، تبحث عن مأوى يحتويها ولم تجد غير وعود كثيرة وكلام مستهلك وتطمينات تتطاير هنا وهناك كفقاعات صابون في هواء طلق.

لم يكتف صندوق الأعمار بصور المماطلة المستمرة والمعاناة الدائمة ولحظات الوقوف والاستجداء المهينة أمام أبوابه ليل ونهار، ولكنه استمرأ معاناة الناس وتصدير الألم إليهم تارة بإعلانه استكمال الأسماء الباقية المستحقة للتعويضات وتارة بدفع القسط الثاني منها وأحيانا بمعالجة وضع المتظلمين وأخرى بتوسيع رقعة المسجلين لتشمل استمارات أكثر من ضرر " المنازل، الثروة الحيوانية، الزراعة، النحل" ولأكثر من منطقة وقرية في صورة عبثية "فجة" إذ أن الواقع يحتم عليه أولاً استكمال تعويضات الأهالي في زنجبار والكود الأكثر ضررا ثم الالتفات للمناطق والقرى الأخرى التي لم تجلد ساكنيها "سياط" التشرد ولم يكتوي مواطنوها بنيران النزوح القسري من ديارهم.

لست متعجباً بكل تأكيد مما يجري في المحافظة من ظلم وقهر طالما ومحافظ أبين "العاقل" ومعه شلة المحسوبين افتراضا كمسئولين فيها ،مشغولين بعقد اللقاءات والاجتماعات مع ممثلي المنظمات الدولية وغير الدولية بحثاً عن ما فتات ما تقدمه للساكنين هناك دون حمرة خجل واحدة في الوقت الذي تعيش فيه المحافظة أوضاعاً أقل ما يقال عنها إنها مقرفة, يتم فيها تغييب السلطات الأمنية والقضائية والخدمات المختلفة.

"قسط" واحد فقط تم دفعه من ثلاثة أقساط لبعض المواطنين والبقية لا يزالوا في الانتظار ومع ذلك نصب مسئولي المحافظة ممن ملئت كروشهم وثقلت أبدانهم على حساب معاناة الشيخ العجوز والأم الثكلى والطفل المفجوع والشاب المحبط "سيرك" من الأفراح وكأن هذا منجز عظيم يستحق التفاخر به والتباهي بلياليه وتناسوا عمدا أن قسطاً واحداً لا يقدم ولا يؤخر من حقيقة الأوضاع المرة، وبالتالي فإن أقل ما يمكن عمله أن يسارع محافظ أبين وصندوق الأعمار إلى تشكيل لجنة للنزول إلى زنجبار والكود ومعاينة المنازل التي لم يستطع أصحابها بناءها وصرف مستحقاتهم من التعويضات دون مماطلة أو تسويف، إذ أنه من المخجل أن تبقى الكثير من الأسر بعيدة عن منازلها ورهينة الإيجارات التي تثقل كاهلها في الوقت الذي تحول فيه صندوق الأعمار إلى أشبه ما يكون بصالة "تربيطات" ومغالطات ومساحة يتسابق فيها عديمو الأخلاق والأمانة ويركض على جوانبها أهل الزيف والكذب والتضليل. وكفى!.