كان حبراً من أحبار اليهود, سيداً من ساداتهم, وغنياً من أغنياهم يعمل كل ما في وسعه، لمشاركة بني جنسه وعقيدته كل ما يعانوه في ليلهم ونهارهم، فإذا به وفي حالة عجيبة مبهمة، يخرج عليهم ممسكاً بيدية على جوانب رأسه وهو يردد القول: ـ ما على رأسي جرة من ذهب !! فإذا لم أظل ممسكاً بها سقطت وخسرت قيمتها العظيمة, ففقه ناسه وكبراء جنسه بأنه مصاب بحالة غير طبيعية, فما كان منهم إلَّا أن عرضوه على أكبر أطبائهم, فلما عجز أولئك عن إقناعه بوهمه.. ذهبوا به إلى حكيم وطبيب عربي ..
نظر الطبيب العربي في ((حالة ذلك الحبر اليهودي)) وعكف على دراسة تلك الحالة, ليتوجه إلى ذلك (( المريض )) وبوجه بشوش وخفة ظل وبلهجة صادقة ليقول له: ـ صحيح أنت تملك جرة ذهبية لا مثيل لها, فما بالك لو بعتها لي بأغلى ثمن؟ فضحك ( الحبر ) ليعقب على كلام الطبيب العربي: ـ صحيح إنك أنت الوحيد الذي أدرك حقيقة ما أنكره عليّ بني عقيدتي وجنسي ، لكن من العار، التفريط بجرة ثمينة منحني إيها ـ الرب ـ لا لعربي مثلك ولكن حتى لـيهود من بني عقيدتي......
فلما شعر الطبيب العربي, بأن الحبر اليهودي ـ أطمئن لقوله .. أمر اليهود بأن يبنوا على مسكنه سوراً ويتركوا بوابته على شكل (( قوس )) بحيث يضطر من يدخل منها لأن ينحني.. ففعلوا ذلك, ليقدم الطبيب العربي باصطحاب ـ الحبر اليهودي ـ بعد أن أمر ـ اليهود ـ بشراء جرة من ذهب حسب مواصفات ـ حبرهم ـ مؤكداً لهم (( بأن يحمل مثل تلك الجرة من هو جدير بالوقوف على حافة الباب حتى إذا ما دخل ـ الحبر ـ منها رمى الجرة بخفة وسرعة لا يشتبه بأمرها ـ ذلك الحبر, فلما عاد الطبيب وـ الحبر ـ اليهودي من رحلتهما دخل البوابة الطبيب ثم ـ الحبر اليهودي ـ الذي أنحنى ليرى أمام ناظريه الجرة الذهبية تتشظى, بينما هو يجثو ويصرخ حزناً وألماً على ما حل بجرته..
وفي تلك اللحظة كان الطبيب العربي يعاتب ـ الحبر اليهودي بقوله: ـ لقد عرضت عليك بيع الجرة فرفضت, لهذا عليك أن تتحمل عبء خسارتها.. وأقتنع ـ الحبر ـ اليهودي بما آلت إليه أوهامه, ليعود إلى ممارسة عمله وحياته (( الطبيعية )) فلما أستوى عود صحته أمر الطبيب العربي بإحضار ذلك الحبر ليقول له: إنك أنت الجرة الثمينة لا وهمك وأوهامك فضحك الحبر وشكر للعربي صنيعه وحكمته.
عبد العزيز محسن
حذاقة طبيب عربي 1207