شرح صدر الإنسان وانبساط نفسه ورؤيته للجمال في كل مفردة من مفردات الحياة وامتلاكه القدرة على الفرح بأبسط الأشياء واستنارة وجهه بابتسامة راضية وجده ونشاطه في طلب التمام في كافة نواحي حياته؛ مكونات يتشكل منها عنصر السعادة والتي ينشدها الإنسان ويلهث وراء تحصيلها منذ لحظة اكتمال وعيه ويقظة مداركه بعد مراحل طفولته..
ثمة من يربط السعادة بتوفر الأشياء المادية ووفرة المال.. وثمة من يربطها بتحصيل الشهرة, وهناك من لا يهتز وجدانه طرباً , وسروراً إلا بتحصيل السيادة والزعامة.
وثمة توجه واضح من البعض يشير إلى أن لا سعادة إلا لمن التزم بضوابط الدين ..!
غير أن الواقع يشهد بأن الكثير من هؤلاء , وبشتى أصنافهم وتوجهاتهم غارق في خبالات المزاج العالي.
السعادة غاية عظمى, وعظائم الأمور لا يحصلها الإنسان إلا بمجهود عظيم.
يحتاج الإنسان لبلوغ هذه الغاية للعديد من البرامج التنموية, والكثير من القراءات الجادة, وكذا لابد له من قطع مراحل شاقة من اختبارات الحياة, وتجاوزها بنجاح.
وثمة أسئلة غاية في العمق, لابد أن يجد لها أجوبة شافية: من أنا, ماذا أريد, من ربي, ما سر هذا الكون البديع الصنع ؟..
أسئلة تسبر أغوار الكونين العظيمين؛ عالم الإنسان الداخلي, والعالم الخارجي المحيط به, ثم الانتهاء بالمعرفة الحقة لمبدع هذه الأكوان..
رحلة نافعة , ماتعة , غير أنها مرهقة ؛ والإنسان مجبول على إيثار السهل , ميال لحياة الكسل , وخلو الذهن , حتى أنه قيل بأن ثمة من لا يفكر سوى لمرة أو مرتين في العام .
لذلك يلجأ أكثر الناس في سعيهم لتحصيل شعور السعادة والسرور إلى الوسيلة الأيسر والأقل كلفة " المزاج العالي ".
كان الناس قبل الإسلام يشربون الخمرة لرفع المزاج, وتحصيل سعادة وقتية وهمية.. وجاء الإسلام بتحريم الخمرة, ليتضمن هذا الحكم فوائد جمة, من أعلاها وأظهرها ذم الإدمان..
في بلادنا صور شتى لأصناف من الإدمان "القات , المداعة " من قديم , ثم جاءت الطامة المتممة للبلاء " الشيشة " والتي تفشى تعاطيها بين فئة الشباب حتى كادت تصبح ظاهرة.
وهذه الأصناف من صور الإدمان مما توافق المجتمع على اعتبارها مشروعة ومقبولة , وأما ما خفي فهو أعظم.
في علم النفس تعد الشخصية المدمنة نموذجاً من نماذج الشخصيات المعتلة, وذلك لأسباب شتى من أهمها أن المدمن يغدو هش الباطن, معطل الطاقات ,وعاجز عن امتلاك مهارة اتخاذ القرار.
بإمكان كل شخص مدمن يقرأ مقالتي هذه وإبداء الاستنكار, ودفع هذه النتيجة بادعاءات وحجج شتى, لكن هل يمكنه التخلص من ثقافة المزاج, وهل يمتلك الشجاعة الكافية لاتخاذ قرار فوري بالإقلاع عن الإدمان؟..
نبيلة الوليدي
ثقافة المزاج!! 1392